الكاتب المغربي / إلياس الخطابي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "تائه في ظلام الحياة" 




الضباب غطى البلدة ،المطر لم يهطل منذ أمد .وجع في رأسي ،قلبي يخفق بعنف . كتب مبعثرة في الغرفة . اقرأ صفحتين في كتاب ،أغلقه . افتح كتابا آخر . ثم اعيد الكرة . شهيتي منعدمة . منذ اسبوع ،اقرأ بفوضوية ،لم أبدأ الكتاب وأنهيته .صرت فوضويا في كل شيء . 


الآن جالس وحدي ، ضباب في ذهني . قرأت في رواية "أبواب الفجر " :الألم هو سبيل الحياة  

تألمت كثيرا . لكن الحياة لم اعشها بعد ، ما عشته ليس سهلا . بوكوفسكي قال :بعض الأيام لا تكون لك . 

ايامي كلها ليست لي ، انها تمضي بسرعة . وأنا أشاهد في صمت . لم افعل ما أريد ،اهدافي تبخرت ،احلامي تستحيل أن تتحقق . تهت ،أسير في سبيل أجهل نهايته . أفكر دوما في البداية من جديد ،لكنني لا أبدأ، شيء ما يمنعني ،لا اعلمه . ربما هذا ما قصده الذين قالوا : لا شيء صعب  سوى البداية . 

ان تبدأ . يعني انت عارف اين ذاهب ،وما تريد . ذاهب في سبيل تعلم نهايته . 


كبير حيمي يغني :مشات الصحة وتبعها جيبي . 


انا اردد :صحتي لم تذهب . جيوبي مثقوبة دوما . 


أحزن على نفسي ،أسألني :أشخت ،ام ماذا ؟ 


اصدقائي يرحلون تباعا ،كرهت الصداقات الزائفة .أحب شخصا .قلبي يهواه ،أرتاح له ،أشعرني لا شيء بدونه ،أربط روحي به ،كأنني به أتنفس .مرارا اقع في نفس الفعل .لا أتعظ ولا أعتبر ،أنسى كل التجارب السابقة .تغريني البدايات الرائعة ،اردد في ذهني :

-هذا هو الشخص الذي كنت أبحث عنه منذ أمد . 


يكاد يمر اسبوع حتى يكون رحل ،يرحل بدون سابق انذار ،بدون وداع .أحترق ،نار تشتعل بداخلي ،أتألم من جديد .

اهتم بالغير اكثر مما اهتم بنفسي ،وهذا ما جعلني تعيسا دوما .

أنسى حزني ،أحاول أن أجد حلولا لأحزان الآخرين .أترك ما يؤلمني .أحشر أنفي في حياة الآخرين ،اكثر مما أحشره في حياتي .. 


تعبت .لم اعد أطيق شيئا ،لا الذين يأتون ولا الذين هم حاضرون ،كرهتني ،كرهت الجميع .لم أعد أجد ما اقول ،للذين ،يرحلون بدون سبب ولا الذين ،غيابهم افضل من حضورهم ،ولا حضورهم افضل من غيابهم ،لم يعد يهمني أحدا سوى نفسي. 


استيقظت باكرا ،رغم انني نمت متأخرا ، لم افعل شيئا جيدا اطلاقا . شربت كأسان من القهوة وخرجت ،ظللت أدور في البلدة ،بدون هدف وبدون اتجاه . هاتفي كان معي ،لكنني لم أستطع أن اشعله ،أو أخرجه من جيبي . شيء ما كان يمنعني . ربما فقدان الأمل في معارفي ،او الأقارب ،او ربما لم يعد هناك فيه ما يغري.تذكرت ، حينما اكون متصلا في المواقع ، لا يسأل عني احد ،ولا اسأل عن أحد . ابتعد ويبتعدون ،لا أملك شخصا بعد ،يخاف علي ،أو يسأل عني ،بدون ان اسأل عنه . جل الذين اعرفهم ،يعاملونني ندا بند . 


آه كم هذا متعب وفظيع . مشيت ببطء . وصلت الى صخرة كبيرة،الى المكان المعتادة ،الذي اجلس فيه دوما . وقفت . حدقت في الجبال والأشجار ،رددت :

-الحياة صعبة وشاقة 


منذ ان قرأت لبراديري "لا تسأل عن معنى الحياة ،الحياة بنفسها هي الجواب " . لم أعد ابحث عن معاني الحياة ،ولم اعد أتأملها ،كففت . أعيش حزني وفرحي ،لا أبال بأحد . صرت اتوقع كل شيء . الفرح لا يدوم ،والحزن لا يدوم . كل شيء هش وقابل للانكسار . هذا ما قاله الراحل شكري . عودت نفسي عن كل شيء ،عن الفرح والحزن والرحيل . 


لم اخلق توازنا في حياتي بعد ،ولربما سأخلقه في الأيام الآتية ،أعيش الحزن أكثر من الفرح . مرارا ،حاولت . لكن محاولتي كالمحاولات الأخرى ، فشلت ،ربما ينقصني الحظ . 


الآن لم اعد احاول ،تركت الحياة تمضي ،وليحدث ما يحدث . سمعت الناس يقولون :قدرنا احيانا نتحكم فيه نحن 

لم اجد فيما أتحكم وما لا أتحكم ،وما اغير وما ابقيه . ضباب ،فوضى في رأسي ،وجع يكاد الا يفارقني . ذاكرتي شاخت بالهموم . 

طردت عني قلقي ،تنفست بعمق ،بصقت ،حلقي جف . بدأت امشي ،بدون أي اتجاه . في الأخير وجدتني ادخل المقهى ،لا اعلم كيف وصلت . تعبت ،جلست على الكرسي ، استرخيت . لم اصطنع الابتسامة كما كنت افعل في السابق . طلبت قهوة سوداء. اشعلت الهاتف ،فتحت صبيب الانترنيت . علبة الرسائل خاوية . لم يتفقدني احد . أطفأت الهاتف وأنا اردد :

-اهتم بنفسك وانسى الآخرين



الكاتب المغربي / إلياس الخطابي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "تائه في ظلام الحياة" 



Share To: