الناثر المصري / سمير لوبه يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "صعود وهبوط" من المجموعة "فرق توقيت"



 

مَعَ كُلِ صَبَاحٍ تَضَعُ يَدَها عَلَى صَدرِها تُرَاقِبُ صُعُودَ الصَّدرِ وهبُوطَه ؛ تُصَافِحُ بحَرَكَتِه يَقينَ بَقَائها عَلَى قَيدِ الحَيَاةِ ، تَتَجوَلُ فِي الحُجرَاتِ تَجتَرُّ الذّكْرَيَاتِ المُعَلَقَةَ عَلَى الجُدرَانِ تَأنَسُ لِحَدِيثِها ، تَرتَسِمُ عَلَى وَجهِها ابتِسَامَةٌ إذَا عَانَقت عَينَاها صُورَةَ زفَافِهما ، فمَا زَال رَنينُ زَغَارِيدِ أُمِها فِي أُذُنَيها ، يُدَاعِبُها طَيفُ زَوجِها يَدخُلُ مِن البَابِ مُبتَسِمًا يُهدِيها قُبلَتَه اليَومَيةَ ، تُعِدُّ لَه الطَّعَامَ يَتشَارَكَان خُبزَ المَحَبَةِ تُظَلِلُهما المَودَةُ ، تَزدَادُ ابتِسَامَتُها لفَرحَتِه الغَامِرَةِ يَومَ أنجَبَت ، تَشُقُّ الدُّمُوعُ تَجَاعِيدِ وَجهِها كُلَّمَا اصطَدَمَت عَينَاها بالشَرِيطِ الأسوَدِ عَلَى صُورَةِ ابنِهما الوَحيدِ ، تَنتَشِلُها مِن يَمِّ الأحزَانِ جَلَبَةُ الشَّارِعِ ؛ تَندَفِعُ بِشَغَفٍ للنَّافِذَةِ تَروِيها تِريَاقَ الحَيَاةِ ، تُؤنِسُها حَرَكَةُ الأقدَامِ ونِدَاءاتُ البَاعَةِ ،  تَنتَظِرُ بالسَّاعَاتِ مَن يُلقِيها وَلَو بِتَحِيَةٍ تُوقِدُ إحسَاسَها بالحَيَاةِ ، كَثِيرًا مَا تَحرِمُها الأيَامُ الرَتِيبَةُ مِن الكَلَامِ ؛ فَالجَمِيعُ تُلهِيه المَسئولِيَاتُ يُهَروِلُ مُكتَفِيًا بالتَّلوِيحِ لَها وقَدْ يَغفَلُ عَنْه كَثِيرُون ، تَتَجَوَلُ بَينَ جَنبَاتِ شَقَتِها الصّمَاءِ ؛ تُدِيرُ المِذيَاعَ تَتَسَمَعُ الأخبَارَ ، وبِصَوتٍ مَسمُوعٍ تُنَاقِشُ المُذِيعَ فِيها ، قَدْ تُسعِدُها أُغنِيةٌ تَسبَحُ بِها فِي جُندُولٍ عَبرَ نَهرِ الذِّكْرَيَاتِ و أحَايين كَثيرَةً تُبكِيها ، فَقَدْ رَحَلُوا جَمِيعًا وتَرَكُوها وَحدَها تَصحَبُها الأسقَامُ ، لَا يُبَدِّدُ وَحشَتَها سِوَى الذِّكْرَيَاتِ ، تَمُرُّ الأوقَاتُ مُتَثَائبَةً ، يُخَيمُ عَلَيها فَزَعُ اللَّيلِ المُعتَادُ ، تَضَعُ يَدَها عَلَى صَدرِها تُرَاقِبُ صُعُودَ الصَّدرِ وهبُوطَه ، تَتَحَدَّثُ مَعَ الصَّمتِ تُجِيبُها أَطيَافُ أَحبَةٌ قَدْ مَضَوا ولَنْ يَعُودُوا ، مَعَ الصَّبَاحِ تَضَعُ يَدَها عَلَى صَدرٍ أرهَقَته الوِحدَةُ .. فلَا صُعُودَ لَه اليَومَ ولَا هبُوطَ  .



الناثر المصري / سمير لوبه يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "صعود وهبوط" من المجموعة "فرق توقيت" 



Share To: