الكاتب المصري / رامي حلبي يكتب مقالًا تحت عنوان "المنطلق الثوري الإصلاحي" 




- عن المنطلق الإصلاحي؛


يتضمن أي إصلاح جدي فكر العودة إلي الثابت والأصل، إذ أن العملية السياسية ترسب عبر الزمن تشيؤات تطرأ مع  تقدم الوقت وتحور العادات وتغير التقليد والعرف، تتباين على هذا الأثر تحولات قد تصل لمراحل التضاد والمواجهة مع التراث، والتراث هو ما سبق تحديده وإثبات أنه أركان ناجعة رسمت خط زمني طويل لحضارة الأقدمون توافق عليها اللاحقون وتمسك بها التقليد والعرف لأبعد ما أمكنه محافظا على تماسك الأمة وقبل أن يشهد التنافس والإختراق والإنهزام من حضارات أشد عداء وشراسة وقوة، فالتقليد هو التفسير الزمني للأصل في مراحل متقدمة يصيب التقليد الجمود أو الإنحراف منشأ البيئة التي تكون خصباء متقبلة للمرض الإجتماعي، فيلزم مع هذا تبني تقليد مغاير يحمل ديناميكية حيوية تجعله مدافعا عن نفسه مع إستلزام تقدمه، ولبناء هذا التقليد من بداياته يحبذ عادة العودة إلى الأصل، وبهذا المعني يمكن القول بأن الإصلاح يجب أن يتضمن نوع من الأصولية ليحافظ على قواعده التي نعود إليها لإعادة ضرورية التحصين الإجتماعي، بمعنى متصل يجب الحفاظ على قواعد ثابته تمثل مرجعية للحكم على التقليد المنحرف أو الجامد، ويكون أساس يبنى من خلاله، وتحفظ هذه الأصول عادة ضمن الدساتيير و المراسيم والكتب التراثية.


- عن المنطلق الثوري؛  


الثورات هي منحى إصلاحي يترائى بأنه الأخير عندما تفشل جملة الإصلاحات السياسية، هو بالطبع إجراء وتحرك بالأساس سياسي للتغيير، يقول " لينين" (الثورة غير ممكنة من دون حالة ثورية)، ولكن أي حالة تلك التي تؤدي إلى ثورة، تتكون هذه الحالة عندما يستحيل على السلطة الإصلاح الحقيقي إما لعجزها أو عدم الرغبة في الإصلاح من أساسه، فتنشأ صراعات سلطوية إما فيما بين أركان السلطات العليا أو صراعات إجتماعية طبقية بين طبقة السلطة والموالين لها والطبقة الدنيا من العوام، تتكون كيدية من السلطة بسياسات تطرأ تؤدي إلى إنتكاسات سياسية وإقتصادية وبالتالي إجتماعية، مع تلك السياسات تتعاظم المشاعر بالمعاناة دافعة لمشاعر الغضب فيتكون النشاط الغاضب، هذا النشاط غالبا ما يكون واع ممسكا بالمشكلة متحديا وراغبا في التغير وحتمية الوصول لهذا التغير وهذا ما يمكن تسميته" تكون إرادة الغضب"؛


- عن المنطلق الثوري الإصلاحي؛


على ضوء ما سبق يمكن أن نعزز ما نسعى له من مفهومية ودلالة لمنطلق ثوري إصلاحي برؤية "حنة أرندت" عن الثوراث، وهي( أن الثورات أحداث سياسية تواجهنا بشكل لا مناص منه لمسائلة البدايات، وذلك أنها ومهما حاولنا تعريفها ليست مجرد تغيرات من لحظة بدأ التغير)، والبدايات هي الشكل الذي كانت عليه الأوضاع قبل أن تسير في منحى مختلف تبعا لإرادة سلطة ما وجماعتها، وهذا يتضمن التغيير بثورات إجتماعية فكرية شاملة تشمل الوعي و الإدراك والحذر، لأن مفهوم الثورة في ذاته معني بفعل القفز وليس التدرج، أي التحول والتغير والتبديل المباشر والواضح، ولتقريب الصورة أكثريمكن القول بأنه  يجب محو جميع التراكمات التي أحدثتها نظم إستبدادية أدت للفساد والإعتبار بالأصل الواضح للأمور حتى لا يكون التغيير تغيير أيدلوجي من تبعية لتبعية أخرى الأمر الذي تكون معه الثورة نواة للفوضى وتأجيج للصراعات مابين قوى أيدلوجية متصارعة بالفعل.


 إلى جانب هذا فإن الفعل الثوري ظاهرة حضارية إجتماعية في المقام الأول، تستلزم محاولة تدقيق لمفهومها العلمي السياسي المعاصر، فمن دون دقة علمية تنتج مصطلح يفهم ويدرس وينتج عنه أفكار ومدركات حضارية يصبح التغيير مجرد طاريء إجتماعي ينشب لفترة ويختفي كما تم وأعتد من سلبيات حركة التغير الراهنة في الوطن العربي، وعلى هذا يشرح الدكتور والمفكر "عزمي بشارة" في كتابه" الثورة والقابلية للثورة"، عن مراحل تكون إرادة الغضب من ثم التغير الإصلاحي ،( لا شك أن المكون الأول للحالة الثورية وهو الغضب يكفي لنشوء الحاجة للإصلاح، بمعنى أن الشعور الأول بوجود سبب يستحق الغضب بشأنه هو كاف للبحث عن حلول للتغيير تكون أهدافها إصلاحية، بينما لتكون الحركة الثورية راغبة في التغير وتؤثر بالتغير، يجب أن تملك الوعي بالتطلع الذي هو الهدف، والهدف ينشأ عند الحاجه له، والحاجة تعني النقص به)، هي كذلك عند "هيجل" حالة الحاجة التي تعني شعور النقص، في الحالة الثورية يعني النقص شعوريا غياب العدل والحرية والمساواة الإجتماعية مع إقتضاء إحلالهما في نهاية المطاف؛


وإن أكبر داعم لإستمرار الحالة الثورية خاملة تفقد إرادة الغضب هو شيوع فلسفة الإستقرار، التي غالبا ما تحكمها سياسات المنافع التي تكون لسيكلوجية الجماعة التي تحذر من إنخلاع المجتمع عن إستقراره مكرسة لإجابة واحدة وهي الإستقرار عند التطرق بالسؤال لإرادة التغير، معللة بأنه لماذا يحتاج المجتمع في ذاكرته دوما إلى القائد والبطل المتبوع رغم مقدرة المجتمع على التحكم والتحرك نحو قيادة نفسه، وهذا يجرجرنا جرا نحو وجوب فهم سيكلوجية الجماعة أو القطيع، ويستحيل فهم القطيع دون فهم سياسة القائد وبالعكس 

محاولة فهم القائد لا تتأتى بدون فهم غريزة القطيع، فالقائد يقدم نفسه على أنه فرد من النسيج الجماعي، يتبع ذلك منهج من التحليل يقود إلى إظهار الأزمة في دوام هذا الإستقرار الهش، وتتعاظم المشكلة حتى تكون أزمة إستمراره أزمة وجودية حضارية بمطالباتها السامية من معان للمساواة والحرية والعدالة، ولأن طبيعة الإنسان طبيعة متحولة يبدأ المجتمع في تحديد إمكاناته وفهم واقعة، فيتقدم خطوات نحو طلب حقوقه معنيا بالإستقرار في باديء الأمر حتى تتملكه إرادته الغاضبه فيفهم أن ما سبق وعنى له كل شيء لم يكن إلا خداع، يرى "أرسطو"، (أن الطغاة حين يصلون إلى الحكم يحولون كل شيء إلى طغيان، نتيجة لإمكاناتهم في حشد الناس ويخاطبهم الطغيان بالمساوة كمحكومين لا كحكام)، وتلك ضرورة الطغيان في حفظ مكانتهم فوق محكوميهم، بخطاب يحمل التصغير ضمنيا يتسرب إلى إستقرار الأذهان لكنه يساويهم في هذا الإذلال فلا يرى الناس إلا البؤس الواقع على الجميع مع حرمانهم من أفق يكون متنفس، بيد أن الأنظمة المستبدة والموسومة بالذكاء تصنع لمحكوميها متنفس من صناعتها بحدود يمكن إحتوائها، فيطول أمد الإستقرار المزيف لمدة كبيرة لكن في النهاية مع تعذر إمكانية التغيير الشامل يخرج الناس مطالبين بهذا التغير.


إن حكم الأقلية يتميز بعناصر محددة تمثل عامل قوة وتحكم له، منها المال والنسب والقوة العسكرية قوة البطش، عناصر تمثل واقع القوة المفروضة فوق عاتق العوام، فهم يواجهون بتكتلاتهم المختلفة والمتفرقة وتشرذمهم قوة واحدة متماسكة رغم ضئالتها مقارنة بهم، وفي خضم تكون إرادة التغير نجد أن الجمل المعبرة الجامعة والأفكار الإستلهامية الشارحة تجمع الناس وتقويهم وتدفعهم، رفع " لينين" شعاره،الماركسي (الأرض والسلام والخبز)، وليس من الغريب أن تتفهم طبقة الفلاحين والعمال المعان الكبرى خلف تلك الشعارات فتتبناها وترددها بعدما وعت للتمييز الذي كان يمارس ضدها ، ولكن بالرغم من هذا الوعي المتحقق المجتمعات التي يحكمها الهاجس الأمني وتشربته لعقود مجتمعات قابلة للإنقلاب فوق الأمن، ومعرضة لأن تفقد السيطرة وتجنح للعنف، أو على الأقل معرضة لأن يسرق فيصل منها وأكثر حركة تغييرها إن لم تتعرض لحرب قاسية سياسية كانت أو حرب أهلية بالدانة والبندقية، يقول المفكر الإيراني "علي شريعتي"، (لا يجب أن يسلم مستقبل الثورة إلى أياد مرتعشة ولا يعهد به لأكثرية لا تزال بلا رأي).


حتمية التغير واقعة مع طول أمد التسلط وتملل سبل الإصلاحات الداخلية من جهة السلطة، يشير "هيرقليطس الفيلسوف" في إشارة إلى وجوب التغيير الإجتماعي( لا يخطو الرجل من نفس النهر مرتين)، فكيف من شعوب عانت وثارت وسرقت ثوراتها ويتبين أنها في خضم الصراع نفسه الذي ثارت لتربحه، بينما يذداد تهميش شعاراته من حرية وعدالة تخضعهم سلطاتهم التي أؤتمرت بأمرهم حسب المفروض إلى المقولة الكانطية" لا رأي لمن لا يطاع"، ولكي لا تتكرر أخطاء ماضينا الذي إتسم بالثورية على مدى التاريخ يجب الأخذ بالإعتبار الرأي القائل( الثوري يجب أن يكون إصلاحي بالمقام الأول وحتى يصبح إصلاحي بدرجة ما يمكن الإعتبار أن إصلاحه تحول ثوريا).


#رامي_حلبي




الكاتب المصري / رامي حلبي يكتب مقالًا تحت عنوان "المنطلق الثوري الإصلاحي"



Share To: