الكاتبة المصرية / خلود أيمن تكتب مقالًا تحت عنوان "العبادة الحقَّة" 




 انتبهت لذلك الصفير الصادر من خارج النافذة فقد أيقظني مفزوعاً على حين غرة ولكني سرعان ما أدركت أنها أصوات الطبول و الأجراس التي تصحى النائمين لأجل تناول وجبة السحور فتلك العادة كانت متكررة كل عام و يحبها العديد من الأطفال ، فلقد تداركت أننا ما زلنا في شهر رمضان الكريم الذي ننتظره بفارغ الصبر كل عام حتى يهل علينا بنسيمه ونفحاته الطيبة العطرة التي تُدخِل البهجة و السرور داخل النفوس فلا نكاد نخرج منه سوى و نحن مرتاحي البال ، مرفوعي الرأس ، هادئين ، ساكنين ، ففيه تتبدد الأحزان وتتلاشى السيئات وتُحْجَب وساوس الشياطين و يشعر المرء بالسكينة و السلام ولا يود أنْ يمضي بتلك السرعة القاتلة التي تمر بها الأيام ، ففي أيامه البركة و الهدوء و الاطمئنان الذي يملأ القلوب فيتمكن المؤمن من الاقتراب من ربه بفضل روحانيات الشهر الكريم التي تُهيئ لذلك و تمهد بتغير حياة الكثيرين و لكن سرعان ما يختفي كل ذلك و يتغير بمجرد انقضاء ذلك الشهر الفضيل ولا أعلم لِمَ يتبع الناس تلك العادات في أيام محددة ويكفوا عنها بقية شهور العام ؟ ، أليست العبادة مُتاحة طوال العام ؟ ، أليست المساجد مفتوحة طوال العام ؟ ، أليس المرء بحاجة لربه و التضرع و التوسل إليه طوال العام ؟ ، أليس الله بمجيب الدعاء سوى في ذلك الشهر ؟ ، أليست بقية الأيام مثيلة لأيام ذلك الشهر ؟ ، العديد من الأسئلة المُحيِّرة التي لا أجد أي أجوبة لها ولكني أرغب في الوصول إليها في أقرب وقت ، فلِمَ لا تصبح تلك الأمور عادة طوال أيام السنة لِمَ نقتصر العبادة الحقة وقت رمضان و نعود للهو والانتكاس مرة أخري بقية العام ؟ ، ألسنا بحاجة للقرب الدائم و الطاعة السليمة لله ؟ ، لن يتحقق ذلك سوى إنْ اتبعنا ذلك النمط المنضبط السليم في كل أيام حياتنا ليس شهراً واحداً أو أياماً محددة ، فالعبد يجب أنْ يدرك الفارق الكبير بين العبادة السليمة و تلك الأفعال الصورية التي يؤديها تحت مسمى العبادة ، فالعبادة من المفترض أنْ تكون طوال العام بجميع أشكالها من صوم و زكاة و صلاة وغيرها من الفروض التي يتغافل الكثير منا عنها بفعل أمور واهية متعلقة بدنيا زائلة ، فلنتيقظ قبل أنْ نجد الحياة قد انقضت فجأة دون أي محاولة للاستقامة أو الصلاح الذي يطمح إليه الجميع حتى يصلوا لنهاية الرحلة واجدين صحيفتهم خالية من الذنوب و الخطايا والزلل بقدر الإمكان ، فيكفي معاصي و لنلتزم بالشكل السليم الذي يجب أنْ تكون عليه حياتنا حتى نحظي بالمصير الذي نتمناه جميعاً بمشيئة الله القادر على محو ذنوب وتقصير المرء في بعض الأحيان عن دون عمد بسبب إغواءات الدنيا وملذاتها المختلفة المتنوعة التي تجعله يضل الطريق وقد يتعثر رغماً عنه ، فقدرتك على التوبة النصوحة هي ما تضمن لك النهاية التي تستحقها نفسك السوية التي تنأى عن اقتراف الأخطاء مهما تكالبت عليها وتحالفت ضدها ، فسيظل هذا ما يميزها عن نفوس الآخرين الضعيفة الهشة التي تنساق في طريق الخطأ دون القدرة على العودة أو التراجع عنه للأبد فتضيع حياتها وآخرتها بنفس القدر ...




الكاتبة المصرية / خلود أيمن تكتب مقالًا تحت عنوان "العبادة الحقَّة"


Share To: