الكاتبة السودانية / د. مريم حسن تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "المرونة" 



 كنتُ أجلسُ ذات يومٍ قرب النيل  لأستنشقُ بعضاً من الهواءِ النقي،  لطالما أتيتُ إلى هذا المكان لاستشعار الراحة والطمأنينه والتخلصَ من الطاقاتِ السلبيه التي تتراكم بمرورِ الوقت من ضغطِ العمل وأحيانا من زحمةِ الطرقات، وتلك الشتائم التي تسمعها من المارة الذين لم يعد أحدهم يُطيق الآخر وكأنه سبب أزمات العالم. 

كنتُ أجلسُ على ذلك الكرسي القديم الذي صنع من خشبٍ بني اللون وقد بدت عليه بعضُ الشقوق السطحية وكثيرٌ من الغبارِ المتناثر، بدي لي أقرب إلى القطعة الأثريه من أنه كرسي لجلوس المارة. 

تأملتُ ماءُ النهرِ الذي يحملُ في داخله الكثير من الأسرارِ وفي ظاهره بعض الحكم. 

كان الجوُ معتدلاً  و الشمسُ تأذنُ بالأفول وترسل أشعتها الذهبيه عبر فروع الشجر لترسم لوحة فنيه جميله .

لفتَ ناظري وانتباهي قارورةَ ماء فارغة يحركها الموجُ يميناً وشمالاً  وأحياناً يضرِبُ بها الأحجارُ التي تستلقي على الشاطئ، وأحيانا يضرب بها تلك المعديه الصامدة. صرتُ أراقبها وانظرُ إلى شدةُ الموجِ وضعف القاروره وهشاشتها. لقد انطبقت تماما وأعتقد أن الموج لن يتركها حتى تتلاشى. 

وأمام ناظري تماماً  تقف تلك المعديه الضخمة التي صنعت من الحديد الصلب  وتم سقفها  ببعضِ الخشبِ المُزَيَّن  والقماش السميك الذي يحجب أشعة الشمس، رُبِطَت إلى جانبِ النهر بحبلٍ طويل حتى لا تذهب مع شدة الموج ويتثني لصاحبها الإبحار بها متى ما شاء. 

كان الموجُ يضربُ حواف المعديه بشدة ولكنها لا تتحرك على عكس القاروره ،  بل تهتز بلطف عند ازدياد شدة الموج، ولكن عندما نظرت إلى أطرافها كانت هنالك بعض الخدوش والصدمات التي تعرضت لها مما ترك أثراً واضحاً برحلة معاناتها. 

صرتُ أتسائل ماالذي سيحدث للإنسان إن كان  هشاً تسوقه الانفعالات و متغيرات الحياة يميناً وشمالاً؟  ماذا إن لم يستطع المقاومة؟   أعتقدُ أنه  حتماً سيتحطم ولن يستطيع المواصلة. 

ولكن هل عليه أن يكون صلباً صامدا لا يتأثر بما يحدث من حوله؟ 

هل عليه أن يكون قويا أكثر مما ينبغي  لأنه أُفتُرِض عليه أن يكون كذلك! 

  أيها الإنسان انتَ لستَ هشاً و ليس عليك أن تكون صلبا لأنك وقتها لن تتخدش ولن تتصدع  أنت وقتها سوف تنهار  وتتهشم ولن تستطيع الوقوف.

كُن مرِناً  وكن متوسط الإنفعال  حتى لاتنجرف مع الأمواج  ولا تتحطم بشدتها. 

أعتقدُ أن المرونه في التعامل والتصرف هي أجمل ما يمكن أن يكتسبه الإنسان. 

كثيرٌ من الأشياءِ في هذه الحياة تشبهنا وتقدم لنا الحكمة دون أن تتحدث. 

لطالما كنتُ أشعر بروح الأشياء ورسائلها التي لا تُسمع. 

أحبُ تلك الأشياء الجامدة  التي لا تتحدث ولا تتحرك من تلقاء نفسها، تحوي الكثيرُ من الكلماتِ التي لا تُحكي، تتنفس دون أن تصدر صوتاً، أعتقدُ أنه ليس بالضرورة أن تتنفسَ حياةً،  ولكنها تتنفسُ حكمةً وجمالاً وبهاء. 






Share To: