الكاتب المغربي / إسماعيل بخوت يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الهوية الممزقة" 


الكاتب المغربي / إسماعيل بخوت يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الهوية الممزقة"



رتبوا حقائبهم، وصل الوقت الذي يجب أن يعودوا فيه، قضوا وقتا ممتعا في بلده الأم، أعجبت ببلده كثيرا، قبلها على جبينها بعد أن أغلق باب الغرفة التي أحجزوها في الفندق، كان يحب أن يقبلها بهذه الطريقة، يشعر بأنها تعبر عن ما في دواخله و تتناسب مع تقافته المحافظة، كان يرفض أن يقبلها بالطريقة التي تسمح بها ثقافتها، كان يستنكر تلك القبلة بتلك الطريقة، يرفضها حتى عندما تعرض أمامه سينيمائيا.

جر حقيبته اليدوية وراءه، و هو يستمتع بصوت حفيف عجلاتها تلف فوق الأرض، و هو يجول بنظره دون توقف في البهو يمينا و شمالا، كان يتوقف عند لوحات الإرشادية المعلقة على الجدران، يتحسس لونها، شكلها، و يقف مطولا عند اللغة المكتوبة بها العبارات الإرشادية.

 دب في دواخله الشعور بالنفور تجاه تلك اليد التي كتبت تلك العبارات بغير اللغة الأم للبلد، كان يطرح السؤال تلو الآخر و يحاول الإجابة عن سبب حبنا للغة الآخر، و نبذ لغتنا في بلدنا و في وطننا.

هل لغتنا لا تستطيع أن ترشدنا داخل الفندق؟ هل لا تستطيع أن تقول لنا هذا مطعم، هذا مرحاض للنساء و هذا للرجال...، أم أن الإنسان دائما ينظر ما في أيدي الآخرين أكثر مما ينظر لما في حوزته.

كتم غيضه لم يقل شيئا ، ترك شيئا من تلك لا رغبة في رؤية تلك العبارات الإرشادية في الفندق بغير لغته الأم في دواخله دون أن يبوح بشيء.

توجها مباشرة بعد أن نزلا من المصعد، إلى مركز الاستقبال، لتأدية ما تبقى على كاهلهم من نفقات المبيت في الفندق.

تفحص السيدة التي تشتغل في الاستقبال من بعيد ، تبدت له جالسة وراء المكتب، لم يجذبه مظهرها، كما هو منتظر، بل أثار في نفسه شيء من الاشمئزاز، كان عطرها يفرض نفسه عليه، يجب أن يشمه غصبا عنه، لا شيء في لباسها يعبر عن ثقافتها و ديانتها و بلدها، يعرف أنه مفروض عليها أن ترتدي بهذه الطريقة إن أرادت أن تشتغل، يرفضوها إذا كانت ترتدي لباسا متسترا، ينعتونها بأنها غير مواكبة للعصر، كانت ليست في حاجة أن يفرض عليها، كانت متشبعة بثقافة الغير و جاهلة لثقافتها، روضوها من قبل بكل المؤثرات لترتدي بهذه الطريقة، أصبحت تدافع عن لباسها بشكل مستميت، و تتقزز مِن مَن يخالفها طريقة ارتادئها.

كلمها بعد أن انصرف الزبون الذي كانت تتحدث معه، سجلت اسمه في قوائم الزبائن لديهم خلال اليوم، من خلال مظهره عرف أنه مغربي، كانت تكلمه بلغة فرنسية ركيكة و تعرج على الدارجة المغربية عندما تستشعر غياب الكلمة المعبرة في قاموسها الفرنسي المتواضع، كان يجيبها بالدارجة المغربية، و يعرج بين الفينة و الأخرى على ما يتوفر لديه من كلمات باللغة الفرنسية ليعكس شيئا من مستواه الثقافي.

كلمها قائلا بالكاد غادر الزبون الذي كانت تتحدث معه : السلام عليكم.

Bonjour monsieur.

أعاد عليها التحية باللغة العربية من جديد، رفض أن يحدثها باللغة الفرنسية التي يشعر أنه يتقنها أكثر منها.

السلام عليكم.

ردت التحية قائلة: عليكم السلام، عليكم السلام. و صمتت مستشعرة عدم ارتياحه من ردها التحية بلغة غير التي حدثها بها.

تفحص ملامحها و هي ترد التحية، استشعر أنها فهمت قصده، فتناثرت الكلمات من بين شفتيه تحث أنظار زوجته.

ما اسم هذا البلد الذي نوجد فيه الآن سيدتي و هو يبتسم بشكل ساخر.

حنا في المغرب أسيدي و في الدار البيضاء.

المغرب لغته الأولى هي العربية هذا هو الأمر الذي أعرف.

اه، اه، لكن نحن مفروض علينا نتكلمو بالفرنسية مع الكليان، بحكم وطيل ديالنا راقي و نستقبل ناس ذو مكانة عالية.

الأمر لا يرتبط بالمكانة، اللغة هي آلية لتواصل و تتحدث بها جميع شرائح المجتمع. 

تنهد و أضاف قائلا : الأمر طبيعي، و لكي نكون متاصلحين مع ذواتنا، يجب أن تتكلمي باللغة العربية أولا، و حتى عندما تعرفي أن الشخص يجهل اللغة الأم للبلد تحدثي معه باللغة التي يفهمها.

ابتسمت بشكل خفيف فقط لكي لا تظهر غضبها، و هي تحسب الراتب الذي عليه تأديته.

سدد لها الثمن بعد أن أعطته ورقة تأدية واجب المبيت و انصرف من أمامها وهو يطرح السؤال تلوى الآخر في دواخله، كيف أن كل من أصبح مهما يصبح يتكلم غير اللغة الأم للبلد؟ هل هناك لغات يتكلموها الطبقات الراقية و لغات يتكلموها الطبقات المهضومة في المجتمع أم كيف؟

انفجرت غاضبة بعدما غادر الفندق نهائيا، و تفوهت قائلة : متخلف بغا يعلمني كيفاش نهضر مع كليان.

 تاهت زوجته في التفكير، و بدأت تعيد كل تلك الصور و الأحزان التي كانت متبدية على ملامحه و لم تفهم سرها خلال سفرهم، و هي تخطو جانبه.

 أعادت كل تلك الصور، توقفت عند حزنه في كل مرة يقرأ لوحة تعريفية بغير اللغة العربية، و عند طول نظره و الحزن الذي يهاجم ملامحه عند تفحص قائمة المحتويات في المطاعم بغير اللغة الأم لبلده.

 كان يضعها و هو مشمئز و يخبر النادل بطلبه باللغة العربية.

بدأ يلتصق بها شيء من ذلك الحزن الذي يطوق صدر زوجها، أرادت أن تستفسره أن تعرف وجهة نظره.

رتبت كلماتها و استرقت النظر إليه و كلمته قائلة:

تحسس نظرتها، فلتفت إليها مبتسما كأنه يريد أن يشعرها أنها لا علاقة لها بما يختلجه.

هل يؤديك عدم استعمال اللغة العربية في كثير من المحطات في بلدك.

يؤديني الأمر أكثر عندما ننزل في بلدك و لا أحد يريد أن يجيبني عندما أكلمه بلغتي، لا يعرف حتى بأي لغة أتكلم، لماذا أنتم لا تشعرون بوجودنا و نحن نحجز لكم مكانا فوق رؤوسِنا.





الكاتب المغربي / إسماعيل بخوت يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الهوية الممزقة" 



Share To: