الكاتب السوداني / أبوذر مصطفى يكتب نصًا تحت عنوان "رحلة حزن" 


الكاتب السوداني / أبوذر مصطفى يكتب نصًا تحت عنوان "رحلة حزن"



- مدخل :-

عزيزي القاريء، دعني أعكرُ قليلاً من مزاجيتِكَ، أطلق ليَ عنان مخيلتِكَ رويداً رويداً؛ لأنني سآخذكَ برفقتي في رحلةٍ داخل القلوب الحزينة، لِذَا لا تقترب إذا كنتَ من أصحاب القلوب الضعيفة.


- النص :-

في سواد الليل الأعظم، يشنّ الحزن غاراته على قلوبنا، التي باتت منهكة من تكرار قصص الفقد، والأسى كل حين، من قساوة غدر الأصدقاء، ومن سحابات ظلم الأقارب، التي لم يتوقف هطولها يوماً.

سآخذكَ في نماذجٍ، علّها توصل ما قد عجز القلم عن كتابته، وتوارت مني الكلمات، لأجسده لكَ واقعاً، لكنني سأدعكَ، أنت وإحساس قلبك، حجراً كان أم قطعةً من الفلين.

- إمرأة التهمت فلذة كبدها الوحيد نار الغربة، وأصبحت في الإنتظار لسبع سنوات، شكَتْ آلام الفقد لليالي الطوال، وفي اليوم الذي يقرر فتاها الرجوع، يصاب بنوبية قلبية حادة، ليصل بيت والدته على صندوق خشبي مصمَت، أحينها يكون للبوح معنى؟ أتكون الدموع معبرةً؟ فقط يحبس الألم داخل القلب، حتى وإن مرّت عليه الدهور، لن تأوي تلك المرأة إلى فراشها يوماً، دون أن ينبض قلبها بفقد ابنها كل يوم، وكل حين.

- رجل له أبناء صغار، يسعى في الأرض، كل يومٍ ليقتاتوا قوت يومهم، يخشى أن يمر يوماً، وأحد أبناءه تتقطع أحشاءه من فرط الجوع، يصاب بالسرطان، ولا يخبر أحداً، يظل يعمل بجدٍّ كل ما تذكر صوت أبناءه وهم جياع، يعود يوماً إلى المنزل؛ فيجد أحد الصغار قد أشعل عود الثقاب في المنزل، عندما كان يلهو، لم ينجُ أحد، انتهى كل شيء أمام عينيه، فأصبح لا يرى سوى الرماد، حينها أيكون الصياح مخخفاً؟ أتكون العبرة في الحلق واصفةً الحال؟ سيظل ذلك الرجل غارقاً في حزنه، وسيظل منظر أبناءه، وهم يلعبون أمام عينيه كل ما رأى طفلاً.

- شاب في مقتبل العمر، تعلق قلبه بفتاة بسيطة الأحلام، لم يستطع القدوم لأهلها؛ لسوء حاله المزرية، رُفِض في عشرِ وظائف، عمل في مكان صغير، فأغلقته بلدية المنطقة، وأزالته بسبب ضرائبهم الباهظة، يخرج غاضباً في الطرقات، يصيح بأبسط الحقوق، فتصيبه رصاصة من بني جلدتِه، يتضرج بالدماء، تراه الفتاة التي انتظرته لسنوات على هذه الهيأة، حينها أيكون حبها كافياً لإرجاعه من جديد؟ أيكون قلبها - الذي احتواه حباً - يترصع بالأبيض بعدها؟ ستنهكها ذكريات ذلك الماضي، سترى وجهه في كل شهيد بعده، ستموت في اليوم ألف مرة عند مرور طيفه عليها.

مخرج :-

اعذرني عزيزي القاريء، فقد اخبرتك سلفاً، إذا كنتَ من أصحاب القلوب الضعيفة فلا تقترب من هذه الكلمات.

عند الحزن العميق، لا نستطع التحدث، لا تبلغ الكلمات شيئاً مما قد نعاني، لا تستطع الأعين بكاء ما قد فقدنا؛ حتى وإن جفّت وتحجّرت من النياح، سنظل هائمين في قارب أحزاننا، بعيدين عمن حولنا؛ حتى وإن كنا وسط آلاف الحشود.




الكاتب السوداني / أبوذر مصطفى يكتب نصًا تحت عنوان "رحلة حزن" 



Share To: