الكاتب السوداني / مجاهد ميرغني يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "التضـحيـة ليـسـت خيـانـة" 


الكاتب السوداني / مجاهد ميرغني يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "التضـحيـة ليـسـت خيـانـة"



أحمـد شـابٌ فـي العشـريـن مـن عمـره، توفـى عنـه والـده تـاركـاً خلفـه أُمَّـاً وأخـتيـن، وكـان أبـوه لا يمـلك سـوى قطعـة أرضٍ صغـيرةٍ، يـزرع فيـها ويجنـي منـها اليسـير مـن المـال. بعـد وفـاة والـده، كـان لـزامـاً عليـه أن يتـرك دراستـه ويعمـل بالمـزرعـة الصغـيرة ليـلاً ونهـاراً؛ حتـى يوفـر أبسـط احتيـاجـات العيـش الكـريـم، ولسـان حالـه يقـول: "أيُ حمـل ثقيـلٍ تركتـه لـي يا أبي؟"

كـان واقـعـاً فـي حـب فتـاةٍ فـي القـريـة، تُدعـى مهـا، ابنـة مـدرس اللـغـة العـربيـة، بعـد جـدٍ وكـدٍ بنـى أحمـد منـزلاً متـواضعاً وكـأنـه يستعـد ليـكمـل نصـف دينـه.


 فـي صبـاح يـومٍ جميـلٍ؛ ذهـب أحمـد إلـى مـنـزل أستـاذ اللغـة العـربيـة طـالبـاً يـد ابنتـه مهـا، وهنـا كـانـت الصـدمـة بعـد أن سـأل أحمـد عـن وضـعـه المـادي ومستـواه التعـليمي! فمـا كـان رده إلا طعنة خنجـرٍ علـى قلـب أحمـد، قـال لـه: "أنـا لا أزوّج ابنتِـي إلا لرجـلٍ ثـري". اغـرورقـت عيـنا أحمـد بالدمـوع، وازدادت ضـربـات قلبـه ولكنـه لـم يستسلـم، وقـال لـه بصـوتٍ حـزيـنٍ منكسـرٍ:

"ومـا الشـروط التـي يجـب أن تتوفـر في هـذا الرجـل؟"

قـال الأستـاذ:

"يجـب أن يكـون لـه سيـارة بأحـدث الإصـدارات، ومنـزلاً فخمـاً، وقطعـة أرض كبيـرة".

طـأطـأ أحمـد رأسـه وهـو يشعـر بالإنكسـار ولكـن حـبـه لِـمهـا هو الذي جعلـه لا يستسلم، وفكـر في أن يسلِّـم أرض أبيـه لأحـد العمـال، ويغتـرب خـارج البـلاد ليزيـد مـن جهـده ويعمـل فـي مختلـف الأعمـال الشـريفـة التـي تجعلـه ينفـذ شـروط والـد حبيبتـه، وبعـد اِغتـرابٍ دام لسنـوات عـاد أحمـد وقـد نفَّـذ كـل الشـروط، عـاد وهـو يشعـر بالإنتصـار؛ لأنـه سيتزوج الفتـاة التـي أحبهـا حبـاً شديـداً.

ولكـن يبقـى السـؤال مطـروحـاً هـل ستـكتمـل فـرحـة أحمـد أم لا؟!


بعـد عـودة أحمـد إلـى القـريـة، فُـوجـئَ بـأن مهـا وأبيهـا قـد رحـلا مـن القريـة، وانقطعـت أخبـارهمـا، فأخـذ أحمـد يبحـث عنهمـا هنـا وهنـاك فـي كـل أنحـاء الـولايـة، ولــكنه لـم يجـدهمـا؛ فـذهـب إلـى العـاصمـة يبحـث عنـهمـا فـي كـل مكـان، وهـو خـائـفٌ، ويقـول:

"مـاذا لـو أصـابهـا مكـروه؟ سأمـوت... سأمـوت!


بعـد عـدة شهـور مـن البحـث والتعـب كـاد أن يستسلـم، وبينمـا كـان يتجـول فـي أحـد الطرقـات، وجـد (بقالـة) فـذهـب إليهـا ليشتـري مـاءاً بـارداً يـروي بـه ظمـأه، أخـذ قـارورة المـاء يشـربُ فيهـا، عنـدهـا وقعـت منـه صـورة لمحـبوبتـه مهـا؛ انحنـى ليـرفـع الصـورة لمحهـا صاحـب البقالـة فقـال لـه:

"أليسـت هـذه زوجـة دكتـور علي إختصاصـي الأورام؟"

اندهـش أحمـد مـن كـلامـه؛ فقـال لـه:

 -بنبـرة صـوت حـزيـنة-

"لـو تعـرف مكانهـا دلنـي عليـه"

قـال الرجل: "نعم، أعرف".

ووصـف لـه منـزلهـا، وعـندمـا وصـل أحمـد إليـه، وجـد البـاب مغلقـاً وكأنَّـه لا يوجـد أحـد بالداخـل، نظـر إلى يمينـه فوجـد مظلـة كبيـرة بهـا مبـرد مـاء، ذهـب وجلـس فـي ظلهـا، نسبـةً لتعبـه الشديـد إنتابـه النعـاس فنـام، ولـم يستيقـظ إلا علـى صـوت سيـارة سـوداء اللـون، وقفـت أمـام المنـزل الـذي وصفـه لـه صاحـب البقالـة، نـزل منـها دكتـور علـي إختصـاصـي الأورام؛ وفتـح بـاب السيـارة فإذا بمهـا تنـزل مـن السيـارة، وتحمـل علـى يـديهـا طفـلاً رضيعـاً، وهـي تقـول أحمـد حبيبـي أغلـق البـاب؛ فيخـرج إبنها الأكبـر وهـو فـي الخامسـة مـن عمـره ويغلـق البـاب. 


مهـا لـم تخـن أحمـد ولكـن أُجبـرت علـى ذلك؛ بعـد أن مـرض والـدها بمـرض السرطـان، وكـان يجـب أن يُجـري عمليـة سريعـة، ولـم تكـن لديهـا المـال الكافـي للعمليـة، فعـرض عليهـا دكتـور علـي الزواج مقابـل أن يتكفَّـل بالعمليـة، وُضعـت مهـا أمـام أمـرين أحـلاهمـا مـرُ؛ إمَّـا أن تقبـل بعـرض دكتـور علـي،  ويستـرد والـدها عافيتـه، وإما أن تضحـي بوالـدها وتنتظـر حـب حياتهـا. وافقـت مهـا علـى عـرض الدكتـور وتـم إجـراء العمليـة بنجـاح، وتزوجـت مهـا مـن الدكتـور وأنجبـت ولـداً سمَّتـه أحمـد علـى إسـم محبوبهـا السابـق، وهـو ابنهـا الأكـبر.


 كـاد أحمـد أن يغمـى عليـه مـن شـدة الصدمـة وكـان يقـول ويـردد كيـف لهـا أن تخوننـي؟ كيـف لهـا أن تخوننـي؟!


 رجـع أحمـد إلى القريـة منكسـراً، لـم يستطـع التحمـل ففكـر مراراً وتكـراراً فـي الانتحـار ولكن كان أحــد ينقــذه في كـل مـرة، وأخيـــرا لجـأ إلـى الإدمـان ليحـاول نسيـانهـا.


تدهـورت حالتـه، وضيَّـع مالـه فـي تعاطـي المخـدرات، وأصبـحت قصـة أحمـد حديـث أهـل القـرية، حتـى وجـدوه ميتـاً فـي احـدى الطـرقـات التـي تـؤدي إلـى المدينـة التـي تسكنهـا محـبوبتـه.





الكاتب السوداني / مجاهد ميرغني يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "التضـحيـة ليـسـت خيـانـة" 





Share To: