حين احترقت كلمات السنوسي وودع قلبه تقاسيم حب "سرمدي"، عشق المسكين فن النسيان؛ عشق الألم والحزن وتقاطيع ذكرياته الحزينة الكئيبة، وأدرك مطلقا أن الحب لا يولد في لحظة أو في لحظات، وَثبَة من الوَثبَات واستحضر السنوسي ما قاله الملوح:
ما بالُ قَلبِكَ يا مَجنونُ قَد خُلِعا في حُبِ مَن لا تَرى في نَيلِهِ طَمَعا
الحُبُّ والُودُّ نِيطا بالفُؤادِ لها فأصبحا في فؤادي ثابتين معا
وزادني كلفاً في الحب أن منعت أحب شيء إلى الإنسان ما منعا.
وأي منع إذا كانت تراتيل الأماني الدفينة تخنق تقاسيم وجه السنوسي الطامح الحالم بابتساماته الزائفة وتبعثه إلى هوة القدر، علاه يجمع من شتات أفكاره المشلولة ومن رفات أحلامه الجريحة، لحظات أنس هارب يؤمن بوجود كلي لا يمكن أن تمحوه ساعات فراق وبين طويلة.
كان السنوسي كثير المباهاة بالنفس، شديد الإعجاب بها، يقود سيارته البيضاء الصغيرة القديمة، يقودها بسرعة فائقة وبين الفينة والفينة يتوقف محركها، فينزل السنوسي ويرفع الغطاء ويدخل يده الشريفة فيعاود المحرك الدوران من جديد.
لم يكن يمتلك مذياعا من طراز جديد ،لكن ذلك لم يمنعه من الاستماع لأغنية "قاتلتي ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني" فقاتله الخوف الذي يهيكل مشاعره ويدعوه إلى النسيان، نسيان عبارة عدم الرجوع بين الوجود والعدم بالمفهوم الوجودي السارتري. حتى فعل التلفظ باسم الساكن في ذات السنوسي أضحى للكثيرين من أترابه مجرد وهم؛ وهم الحرية عند سبينوزا المزعوم،
صرف نظره عن هذا الوهم حسب ما يعتقد أقرانه وبدأ الغناء مع كاظم الساهر:
هل عندكِ شك أنك أحلى وأغلى امرأة في الدنيا؟!
وأهم امرأة في دنيا ..هل عندك شك؟!
هل عندكِ شك أن دخولك في قلبي
هو أعظم يوما بالتاريخ وأجمل خبر في الدنيا؟!... والسنوسي يقود السيارة البيضاء الصغيرة حينها أدرك أنه أسير حب سلب حريته وألهم ذاته قدسية الوفاء، وفاء لتلك الذكريات التي تعانق الأحلام وتسكن القلب بل تملكه وتلبسه صفة الالتحام الكلي.
الكاتب والباحث الجزائري / رحموني عبد الكريم يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الــحـب الـســرمـدي يعانق الأحلام"
Post A Comment: