الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "نستحقُ عالماً أفضل" 


الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "نستحقُ عالماً أفضل"



    يمكن لهذا العالم أن يكون أفضل بكثيرٍ مما هو عليه اليوم، لكن لن يتأتى ذلك بغيرِ تغيراتٍ جذريةٍ في المفاهيمِ وبرمجياتِ العقول. هذا لأن أغلب البشر في العالم اليوم تقليديون، رجعيون، كأنهم مُبرمجون، أنماط حياتهم متشابهة، قِلة قليلة هي من تتمرد وتكسر القواعد والقيود، ترى أن قيمتها أكبر من كل تلك الأنظمة والأسوار التي أقامها إنسان هذا الزمان، وأحاط بها عقله وقلبه وحدّ فكره وقيّد طموحه.


    ابتداءً من أسلوب الحياة وليس انتهاءً بأنظمة التعليم المتشابهة التي تساهم بصورة أساسية في خروج أجيال من البشر بعقلية واحدة نسخًا مكررة لا تُقدم ولا تؤخر.


    ومن سخرية القدر أن أعظم من صنعوا تاريخنا الحديث، وكانت لهم بصمات واضحة في شتى المجالات؛ قد تركوا مقاعد الدراسة في مرحلة ما من حياتهم، وأداروا ظهورهم عن أنظمة التعليم البائسة المُملة، وخرجوا للحياة، حيث البراح لاكتشاف القدرات الحقيقية والمهارات وكوامن الإبداع الفطري.


    إن الله سبحانه وتعالى خلقنا وسخر لنا هذا الكون كأفضل مكان يليق بأكرم مخلوقاته، و أوجد فيه كل سبل العيش الكريم والرفاه، فما أنزل داءً إلا ومعه دواء، فعلاج السرطان موجود لكن لم نعرفه بعد، علاج كورونا موجود أيضًا، وأدوية كل الأمراض المستوطنة والمستعصية في هذا العصر وفي العصور السابقة والآتية، كلها موجودة على هذه الأرض، لكن لم يبحث عنها أحد، وذاك الذي وضع الله في عقله ومضة ابتكارِ عقارٍ قد أطفأتها مناهج التعليم وبرمجت عقله وأطفأت بريقه.


    الله لم يخلقنا لنشقى في هذه الحياة، بل لنسعد ونتأمل جمال خلقه وإبداعه في كونه، ونشكره على هذا الصنع البديع، ونحمده أن أكرمنا وفضّلنا على مخلوقاته ونفخ فينا من روحه.


    لكن للأسف فالبشر هم من تسببوا في تعاسة البشرية، بقوانين وعادات ومفاهيم لا تشبه اختلاف وتنوع الخلق، أهم هذه الأنظمة المتجذرة وكأنها منزلة من السماء، رغم بيان فشلها مع مرور الزمن، هو نظام التعليم.


     إن الدول الرائدة في العالم اليوم، هي التي وضعت هذه الأنظمة العقيمة جانبًا وبدأت اكتشاف الإنسان، وابتكار طرق جديد للاستفادة من قدرات كل فرد، حسب ميوله واهتماماته، وتمردت على سياسة " جمع كل البيض في سلة واحدة"، ومؤكد كان الفرق واضح وكبير، فهؤلاء البشر خُلقوا مختلفين، كبصمات أصابعهم، لكلٍ منهم إنجاز يمكن ان يحققه لخدمة الإنسانية وسعادتها، لكن لن يحدث ذلك إلا نادراً، بسبب ذلك الكبت للمواهب الفطرية والقدرات الخاصة، بأنظمة تعليمية مشوهة، تُعطِل الإنسان لنحو 18 سنة من عمره، ينسى فيها حقيقته، ويتحول لآلة لجمع وتفريغ المعلومات، لعمري إن هذا تضييعٌ للزمن وخصم من أعمارِ البشرِ فيما لا جدوى حقيقية منه، ما الداعي لأن يحفظ الطالب جداول الضرب، وهناك اختراع اسمه آلة حاسبة، لماذا نتعمق في التاريخ والأسماء والحروب وهناك برنامج اسمه "جوجل" وللمهتم بالبحث والتنقيب فهناك الكتب والمُجلدات والمخطوطات.


    أعتقد أن التعليم يجب أن يتحول من تلقين، إلى وعي و فتح مدارك الطلاب لفهم وتقبل كل ما هو جديد ومبتكر، وأن تكون المدرسة مكان يتعرف فيه الطالب على نفسه، أكثر من تعرفة على الفضاء والقرون الغابرة، فلا يُعقل أن يدرسوا الفضاء والكواكب ولا يعرفون عن أنفسهم شيء، من هم؟ ماذا يريدون؟ ما نقاط قوتهم وضعفهم؟ أين بوصلة الطريق؟.


    إن أهم ما يجب على الأنظمة التعليمية تضمينه هو تعليم النشء الأخلاق وتمليكه أدوات اكتشاف الذات، فضلًا عن تعزيز مهاراته وقدراته، والحرص على تدريبه على الثقة بالنفس، الاهتمام بالصحة العقلية والنفسية، احترام الآخر، حفظ حقوق العلاقات، إدارة الوقت، وغيرها من المهارات التي تساهم في إخراج أجيال قادرة على التغيير والإنجاز، وجعل هذا العالم مكاناً أفضل.




الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "نستحقُ عالماً أفضل" 


Share To: