الأديب التونسي / أ. المختار عيادي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان " سينما المحطة " 




ولج حامد المحطة معوج الظهر من فرط ثقل حقيبته ، و اتجه إلى أقرب مقعد انتظار ،يجفف عرقه و يمسح نظاراته المبللة، و هو  يتأمل الساعة الإلكترونية العملاقة أعلى شباك التذاكر..لا زال على موعد القطار زهاء الساعة دون احتساب الوقت العربي المبدد .

قاوم ثقل جفنيه كي يكون في الموعد و راح يتأمل العالم من ثقب محطة السفر  .. وجه الحياة هنا مضطرب  ، تتمازج فيه ابتسامات المستقبلين المحتضنين باكفهرار وجوه المودعين  ... اختلطت عليه دموع الأمهات و الأخوات و الأباء و هم يكثرون من الوصايا و يصدرون بعض الأنات و الآهات من عمق مكلوم .. 

و لما كان الوقت ليلا ، و فيه متسع ، تجول بعينيه في أرجاء قاعة الانتظار ، فلاحظ أجسادا ممددة فوق بعض الكراسي تطلب الراحة و الأمان على وقع خطوات المسافرين ،لا شيء يقيها من الضوء المبهر سوى ذراع شاحبة  تروي انسداد منافذ اللقمة و العجز عن توفير مأوى يقيها من برد الشتاء و حر الصيف ، فما كان أمام أصحابها الا ادعاء السفر و التظاهر بانتظار قطار الفجر ليغنموا بسويعات نوم ، حتى أولى خيوط الصبح.

اندهش حامد من الحركية الدؤوبة و ظل يتابع فصولها الملونة تارة بورد المحبة و الإقبال على الحياة و طورا بسواد عنادها و عنائها و تنكرها لبعض الخلق ، حين مر أمامه كهل يمشي حافيا ، حاملا حذاءه بيديه عارضا بيعه بثمن يسد الرمق و يذهب عنه عطش الاغتراب و شبح الجوع المقيت، أما الغالبية فقد تخيرت طريق التسول و الإلحاح بأساليب متنوعة لاغتصاب عاطفة الضحية، بين من يكشف عن أثر عملية جراحية في البطن أو إصابة حادة في احد الاطراف أو يفتح ملفا سمينا بالاوراق و الشهائد الطبية مجهولة الهوية ،،،و كلها طرائق نزعت من حامد بعض المال حينا و بعض الحذر حينا اخر.

ظل يتأمل الحلقات فاغر الفم مندهشا ، حتى سمع صفير القطار و نعيقه المزعج ،تحسس حقيبته ، فلم يجدها، و سرعان ما هرع في بهو القاعة على غير منهج و هو يصيح كالمعتوه ...لم يكن الأمر سوى مشهد تابعه الآخرون ،كما كان، بدوره، يتابعهم./ .




الأديب التونسي / أ. المختار عيادي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان " سينما المحطة " 



Share To: