فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "تنبيهِ الآباءِ في آدابِ الحوارِ مع الزوجةِ والأبناء" 


فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "تنبيهِ الآباءِ في آدابِ الحوارِ مع الزوجةِ والأبناء"


يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : 


﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾


 [الروم: 21] 


قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ : 


مِنْ تَمَامِ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ بِبَنِي آدَمَ أَنْ جَعَلَ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ مَوَدَّةً : وَهِيَ الْمَحَبَّةُ ، وَرَحْمَةً: وَهِيَ الرَّأْفَةُ .


فَإِنَّ الرَّجُلَ يُمْسِكُ الْمَرْأَةَ إِمَّا لِمَحَبَّتِهِ لَهَا أَوْ لِرَحْمَةٍ بِهَا .


بِأَنْ يَكُونَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ أَوْ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ فِي الإِنْفَاقِ ، أَوْ لِلأُلْفَةِ بَيْنَهُمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ .


﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ انتهى.


وَهَذِهِ الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَنْعَكِسُ عَلَى بَقِيَّةِ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ لِتَبْقَى شَمْعَةً وَضَّاءَةً تُخْفِي خَلْفَهَا مَشَاكِلَ وَهُمُومَ الْحَيَاةِ الأُسَرِيَّةِ ؛ مَعَ التَّسْلِيمِ بِأَنَّهُ لاَ يُوجَدُ بَيْتٌ إِلاَّ وَفِيهِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَشَاكِلِ ؛ إِلاَّ أَنَّ أُسْلُوبَ الْحِوَارِ الصَّحِيحِ كَفِيلٌ فِي عِلاَجِهَا بَعْدَ تَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى .


فَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ أَنْ نَطْرُقَ آدَابَ الْحِوَارِ الْأُسَرِيِّ الصَّحِيحِ وَالَّتِي مِنْهَا :


#حُسْنُ الْمَقْصَدِ وَالإِخْلاَصُ فِي الْحِوَارِ : 


فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحِوَارِ الاِنْتِصَارَ لِلنَّفْسِ ، وَلاَ مَسْلَكَ الْعُنْفِ الأُسَرِيِّ !


وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ الْوُصُولُ إِلَى الْحَقِّ ، وَالْحُصُولُ عَلَى رِضَا رَبِّ الْخَلْقِ ، وَالْعَمَلُ بِقَوْلِ الرَّبِّ جَلَّ فِي عُلاَهُ : 


﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾


 [النساء: 11]


#وَمِنْ آدَابِ الْحِوَارِ :


التَّوَاضُعُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَاحْتِرَامُ الطَّرَفِ الآخَرِ ، وَتَجَنُّبُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعُجْبِ وَالْغُرُورِ ، وَالْكِبْرِيَاءِ بِالْكَلاَمِ أَوِ الإِشَارَةِ ، وَالْبُعْدُ مِنِ ازْدِرَاءِ مَا عِنْدَ الآخَرِينَ مِنْ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ .


وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


« الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ » 


أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .


#فَمِنَ التَّوَاضُعِ : 


أَنْ تَقْبَلَ الْحَقَّ مِمَّنْ جَاءَ بِهِ ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِنَ الزَّوْجَةِ أَوْ أَصْغَرِ الأَوْلاَدِ ، بَلْ حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعْدَى أَعْدَائِكَ .


وَلَيْسَ النَّجَاحُ فِي الْحِوَارِ أَنْ تَكُونَ قَوِيًّا شَدِيدَ الصُّرَعَةِ عَلَى أُسْرَتِكَ ؛ بَلْ رُبَّمَا يَرْتَدُّ الأَمْرُ عَلَيْكَ ، وَيَكُونُ هَذَا دَلِيلاً عَلَى سُوءِ تَصَرُّفِكَ وَعَجْزِكَ ، وَنُفُورِ أَفْرَادِ أُسْرَتِكَ وَتَمَرُّدِهِمْ عَلَيْكَ ؛ أَوِ الذَّهَابِ لِغَيْرِكَ لِيَبُثُّوا لَهُ الشَّكْوَى ، وَيَنْتَظِرُوا مِنْهُ الْحُلُولَ ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا سَبَبًا فِي انْحِرَافِهِمْ .


 وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :


« لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ » .


رواه الترمذي، وصححه الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه


#وَمِنْ آدَابِ الْحِوَارِ : 


التَّلَطُّفُ وَالشَّفَقَةُ وَالرَّحْمَةُ بِمَنْ تُحَاوِرُهُ مِنْ أَفْرَادِ أُسْرَتِكَ .


قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


«أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ» 


وذَكَرَ مِنْهُمْ : 


« رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ » .


رواه مسلم


وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :


 «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» .


رواه الترمذي


#وَمِنْ آدَابِ الْحِوَارِ : 


الإِصْغَاءُ وَحُسْنُ الاِسْتِمَاعِ :


الإِصْغَاءُ إِلَى الآخَرِينَ مِنْ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ فَنٌّ قَلَّ مَنْ يُجِيدُهُ ، فَأَكْثَرُنَا يُجِيدُ الْحَدِيثَ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِمَاعِ ؛ فَلاَ بُدَّ أَنْ تَسْتَمِعَ وَتَسْتَوْعِبَ جَيِّدًا مَا يَقُولُهُ الآخَرُونَ ؛ فَإِنْ لَمْ تَسْتَمِعْ لِلزَّوْجَةِ وَالأَوْلاَدِ ؛ فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا سَمِعُوا مِنْ غَيْرِكَ عَبْرَ الْوَسَائِلِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا يَضُرُّهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ؛ فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ .


#وَمِنْ آدَابِ الْحِوَارِ :


الْعَدْلُ وَالإِنْصَافُ : 


فَأَوْلَى النَّاسِ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ هُمْ زَوْجَتُكَ وَأَوْلاَدُكَ ، فَخَيْرُ النَّاسِ خَيْرُهُمْ لأَهْلِهِ ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ .


فَمِنَ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ أَنْ تَعْرِفَ لِلزَّوْجَةِ حُقُوقَهَا وَتُوَفِّيَهَا إِيَّاهَا ، وَتَشْكُرَ خَيْرَهَا ، وَتَتَغَاضَى عَنْ عُيُوبِهَا عِرْفَانًا بِجَمِيلِ صَنِيعِهَا .


 قَالَ تَعَالَى : 


﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ 


[النساء: 19]


وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ : 


«لاَ يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» .


[رواه مسلم]


وَالْعَدْلُ وَالإِنْصَافُ كَذَلِكَ بَيْنَ الأَوْلادِ لَيْسَ عَدْلاً فِي الأُمُورِ الْمَادِّيَّةِ فَقَطْ ، بَلْ هُوَ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالرِّعَايَةِ حَتَّى بِالاِبْتِسَامَةِ .





فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "تنبيهِ الآباءِ في آدابِ الحوارِ مع الزوجةِ والأبناء" 


Share To: