الكاتب السوداني / محمد علي همي يكتب مقالًا تحت عنوان" عيد الأرياف " 


الكاتب السوداني / محمد علي همي يكتب مقالًا تحت عنوان" عيد الأرياف "



قد لا تسعِفني مفردات الفُصحى حينما يكون الموصوف قد تملّك قلبي واحتل فكري، لِذا عمِدت للدارجية، عساني أستطيع!


العيد شعِيرة دينية فقط في المُدن وأشباه المُدن، بعكس الريف، العيد شعيرة دينية، مقطوعة ثقافية ومحفل اجتماعي. 


ما قبل العيد:

آدم يعزِلُ نعجتان من القطيع ويتوجهُ بِهما مُسرعاً إلي السوق ليلحق أول السوق -فأولُ السوقِ ليس كآخرِه- ويبيعهما ليسُد بعضً من حوجة العيد من ملابس للأطفال، وإن تبقّى منها شيئ، فحذاء جلدي يكرمُ به نفسه القنوعة.


بعد أن خمرت عجين اللُقيمات (يُسميها البعض زلابية وآخرون يُدللونها بِأُمِ منون) جمعت حواء كُل الملابس بالمنزل حتى تلك البالية، ثم مررتها بعمليات نظافة مُتعددة أضحت كأنها لم تُلبس من قبل، فهي تعلمُ جيداً أن آدم قد لا يُوفّقُ في بيع نِعاجهِ فيقتُل ضحكة وفرحة هؤلاء الصِغار بشروق شمس الغد.


يوم العيد:

قُبيل بزوغ شمس العيد تعلو أصوات الأطفال مُحيط القرية، قهقة، بُكاء، نُواح، أنين، وأخرى لا أجد لها وصفاً تخرجُ من حناجرهم في وقت واحد لتُخبِرنا أن العيد يطُرق باب القرية فلنئذن له.


تراهُم زُمراً يتجولون أنحاء القرية طائفين مُهللين، مُعيدين، مهُنئين، ومؤازرين.

يجتمعُ كل من في القرية تحت ظِل شجرتي عرديب مُتشابكة (رُبما خلقهما الله لهذا الغرض) سموه (ضرا العيد) وهو ذات المكان الذي يؤدون فيه صلاة الجمعة والعيد، مُلتفين حول مائدة مُتنوعة الأصناف -تحسبُها وليمة عُرس أمير في الدولة العُثمانية- ويتبادلون حلو الكلام بعبارات نقية بيضاء كنفوسهم.

يأخذون قِسطاً من الراحة عند مُنتصف النهار استعداداً لمهرجان المساء الذي يتطلب جُهداً بالغًا.


بينما تلوّحُ شمسُ اليومُ مودعةً القرية، يهّمُ كهول القرية وشبابها لتهيئة ساحة المهرجان، وهو استعراض ثقافي للتراث الموروث.

يضعُ الرجال على أجسادهم النحيلة ملابس بيضاء (جلابية، عِمة/عُمامة، طاقية، وشال) وينتعّلُ أحدِهم مركوبه النِمرِي إن استطاع وإلا فمركوبه الجنيناوي (مركوب جنينة هو حذاء جلدي أعلاه يُصنع من جلد البقر وأسفله من جلد البعير يُعرف بقَرّفة) أما النساء فلم تصلهُن مساحيق التجميل التي شوهت فتيات المُدن وأفقدتهُن ما وهبّهنُ الله، في القرية تكتّحل الفتاة فقط وترتدي أطيبُ ما لديها من ملابس فضفاضة وبذلك تأسر قلبُ البدوي المغوار.


لأبناء القبيلة الواحدة أكثر من تراثُ، كلٌ يُبذل المستحيل ليفوز بقلبٍ مُعجب أو قلبٌ مُحب ويوطد للجيل القادم قيمة الموروث الثقافي والهوية التي طُمِست في الحضّر وأشباه الحضّر تماشياً مع الحداثة.


عزيزي القارئ، قصدتُ بتّر الجزء الأخير من عيد الأرياف إيماناً بفلسفة قديمة تقول: "ليس من سمِع كمن رأى".

أدعوك إلى زيارة ريف سوداني لترى بأُم عينيك!


ملحوظة:

"كلُ الأرياف مُتشابهة اجتماعياً مُختلفة ثقافياً".

أعتذر لكل أرياف بلادي عن التقصير والعجز في عكس الصورة الريفية كاملة، فأنا لستُ كاتبًا يستطيع أن يُملي على الحروف ما يشاء، أنا كاتب يعبثُ بالمفردات وتسوقه الحروف حيثُ شاءت.




الكاتب السوداني / محمد علي همي يكتب مقالًا تحت عنوان" عيد الأرياف " 


Share To: