قراءة نقدية في قصيدة الشاعرة تورية لغريب " خارج أسوار الشعر " بقلم الأستاذ الناقد والشاعر مصطفى مزارى
خارج أسوار الشعر
يتراءى الوطن كسيحا
و لأنه ليس من العدل
تخطي عتبات الزمن
بأمل مكتض
عُد لِلعبة الأفعى
على هاتف قديم
تسلّى بها
وأنت تتذكر...
سُحنة رجل ليس طاعنا في السن
داهمَته التجاعيد في لحظة فارقة
لا تَلُم السّاسة على خطاياهم المتسربلة...
لُمِ الرجل الأسمر على أحلامه التي لخّصها، في كيفية احتفاظه مدة أطول بحفولته...
لُمه لأنه اكتشف فوائد الأوميجا 3 متأخرا
فاستفاق على خبر مفاده...أنّ أسعار السمك الفاخر أكبر من مدخوله الشهري!!
أقنِعهُ بمزايا "شواية السردين" على ناصية الشارع
وبكأس عصير "زعزع" الذي سيستلذ باحتسائه، في محل بعيد عن عنوان بيته المتواضع...
أوصِ سيّدةَ البيت، بأن تستمتع بمُسلسلها التركي المدبلج
بأن تعيش قصة حب زائفة مع البطل الوسيم،بدل البطلة المنتقاة...
في انتظار ضجيج أطفالها وهم يتهافتون على شواحن الهواتف الذكية...
ولتترك أمومتها البالية، فهي مهنة قديمة لا تليق
بامرأة عصرية...
أوصِها بأن تُحدّث زوجها عن أقساط " دارت " فور دخوله البيت...
وبأن تشاركه أحلامها الساذجة بزيارة تركيا، لالتقاط صورة مع " مهند "...
واكتفوا جميعا بنقاش مقتضب حول أخبار الأقارب...
ثم تبادلوا اللوم حول لون الجدران المتسخة أيُّكم في اختيارها قد أذنب...
دَعوا السّاسةَ يُخطّطون مستقبلكم بتركيز أعمق...
دعوا الوطن يكفهِرُّ وجهُه في صمت...
لِتصحوا جميعا على غد أجدب...
الشاعرة تورية لغريب
قراءة..
"خارج أسوار الشعر" يعتم الوجود وتضيق فرص الحياة، لعل الشاعرة وهي تبني نصها لم تكن تظن أن نصها يتجاوز "الوطن الكسيح" و أنها ستخلق كل هذه العوالم التي يتداخل فيها الاجتماعي بالسياسي بالانساني..
إن "الوطن الكسيح" سيصبح صورة مصغرة عن كل الأوطان التي تتقاسم معنا كثيرا من شروط العيش العسيرة، وهذه لعمري هي فضيلة الشعر الذي ينطلق من" الهٌنا" ليعانق "الهناك"..
إن القبض على صورة الوطن تذكرنا بها الشاعرة بمعجم شعري راسخ في دروب الشعب عبر " شواية السردين"/"عصير زعزع"/" أقساط دارت"...لكنها في الان نفسه تعلن تجاوزها للراهن والمحلي وهي تنتقد الفعل السياسي بنكهة ساخرة:
"لا تلم الساسة على خطاياهم المتسربلة"
فاللوم على مقترفي الاحلام ك"الرجل الأسمر" الحالم بالاحتفاظ بفحولته ، والمرأة الحالمة ب"البطل الوسيم" كما تسوقه الافلام التركية المدبلجة..
ان نص الشاعرة تورية لغريب في نظري مرّر العديد من الرسائل الإجتماعية المرتبطة باللاتوازن بين احلامنا والواقع باستلابنا المقصود عبر مسلسلات تعمّق بعدنا عن الواقع ، في تخلّينا عن ادوارنا الأساسية، كأَنْ تترك الأم امومتها" البالية" لأنها مهمة قديمة" لا تليق ب"امراة عصرية"..
إن الواقع يكشف انسلاخنا عن ذواتنا ، لذلك تدعونا الشاعرة غير ما مرة بفعل امر طلبي (اوصها/ اكتفوا/ دعوا..)وهي أفعال امر مرتبطة بسخرية حارقة لإنسان اليوم وهو ينسلخ عن واقعه الذي يحرصه "ساسة"
تدعونا الشاعرة و بوثيقة إن ندعهم يخططون مستقبلنا ب" تركيز اعمق"..
إن توالي فعل الأمر بها التداعي( عد/لمه/اقنعه/ اوص/اوصها/اكتفوا/تبادلوا/دعوا/ دعوا...) لم يكن إلا ليعلن نهاية درامية لردّنا
الى الوطن الذي "يكفهر وجهه في غضب "
لنصحوا جميعا على "غد أجذب"...
إن الشاعرة وهي تمرر رسائلها القوية استعملت لغة بسيطة بعمق كبير مدثّر بصور شعرية جميلة كان فيها لصيغة "افعل" و "لا تفعل" حضورا لافتا ارتباطا بتيمة النص في بعدها النقدي..
ذ.مصطفى امزارى
Post A Comment: