الكاتب و القاص المغربي / عبد الله البقالي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان  "سان شيطان" في دار "بن احساين" . الجزء 3 .


الكاتب و القاص المغربي / عبد الله البقالي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان  "سان شيطان" في دار "بن احساين" . الجزء 3 .



     مثل الدببة تماما كان "سان شيطان" يستسلم لسبات شتوي. والقصد هنا أنه يتوارى إلى الخلف وتقل حركته. ومع نهاية الربيع كان يستفيق ويتصاعد منسوب عدوانيته وتتزايد أوقات حضوره في الشارع والأزقة. ومع غروب الشمس بعد التزود بكحول الموقد، كانت شراسته تبلغ الأوج بعد أن يخرج للشارع للاستعراض. وحين كان الشارع يخلو من الناس، ينتابه إحساس بالوحدة والعزلة، ويتخيل أن الناس داخل بيوتهم يعيشون مختلف أشكال الدفء. وعلى الفور كانت تحضره صورة "طامو" البهكنة أو المرأة المكتملة التي لا يعرف لماذا هي ملتصقة بذلك الشيخ الذي يبدو له أنه لا يختلف في شيء عن جرو . فلا هو قادر على حمايتها. ولا هو يفسح المجال  لعشاقها للتمتع بروعة مفاتنها.

ينظر إلى كفيه ويتساءل عما يمكن أن تعنيه صلابتها وقوتها إن كانت عاجزة عن الإطباق على أنفاس الجرو لتريح العالم من نباحه المزعج. و لاحقا و هو يشق الطريق الغابوي ليلا، كان لديه ما يكفي من الوقت كي يستنتج  أن الإنسان في لحظات الحسم لقضية ما، لا يجب ان يكون ذهنه منشغلا بقضيتين مختلفتين.

لقد كانت قبضة يده متحكمة في حبال أنفاس الجرو عندما  اطلت طامو  من باب غرفة نومها مستطلعة ما يحدث في فناء البيت. تجرد من كل شيء ووقف في شبه خشوع ينظر لمجسد ربة ينتظر منها هبة. ملابسها الداخلية الشفافة  كانت تبيح له قراءة أدق تفاصيل جسدها المكتنز . لكن عوضا أن تصله انفاسها الحارة، تعالت صرختها طالبة النجدة. وبعدها استوت الأرض  لحد أنه لم يستعمل يديه حين قفز متخطيا السور. وبالسرعة نفسها التي انقلب فيها الوضع. اختفت صورة طامو ليلوح طيف "بودرهم" . ذلك المخزني التي صارت يداه بطول لا يصدق، و أن كل ما بإمكانه فعله كي ينجو منها، هو ألا يتوقف عن الركض. 

           كل عمليات هروبه انتهت إلى المكان نفسه. "صفرو"* حتى أنه يبدو و كأنه  لا يعرف مكانا في العالم غيرها. خطواته وحياته نفسها مرتبة سلفا. مسكن غير مكلف. وعمل مضمون في مقاولة للبناء. وفي انتظار  أن يحصل على أول أجر أسبوعي،  يحصل على تسبيق يتدبر به أمره،  وفي الفائض من الزمن، يتسكع ويكثف استطلاعاته و أحيانا ترصده لأماكن  وشخصيات تسكن حي "الملاح" * الذي تقطنه بائعات الهوى.

     زياراته للملاح و إن كانت من أجل التسلية، فهي انتهت مرات عدة بعيدا عن ذلك القصد. اذ حوصر من جديد داخل الأجواء الضاغطة نفسها التي يعتبرها تعبيرا للحياة عن موقفها منه، حتى مع تغير الأمكنة والازمنة والظروف والأشخاص.

كانت صفرو تعج بالشباب الذين التحقوا حديثا بالجندية، وهؤلاء في الغالب لم يكونوا ليختلفوا كثيرا عن سان شيطان.  فجلهم اعتبروا أن البزة العسكرية تجعل المرء فوق القانون. فلا الشرطة ولا المخزنية* يستطيعون مساءلتهم أو اعتقالهم بسبب سلوك متهور في الشارع. وهو إحساس فيه مزيج من التشفي وروح الانتقام عن ذلك العمر والوضع الذي كانت فيه حرية الأفراد وارزاقهم واعراضهم رهينة بمزاج رجل السلطة. إلا أن الامر كان مبالغ فيه أحيانا حيث كان يصل حد تجريد المارة من ممتلكاتهم  أو قد تنتهي بعض التصرفات بالاغتصاب، وكان يكفي  أن يصل الجندي الى ثكنته لتسجل الواقعة ضد مجهول. ولكون الملاح كان المحج لهؤلاء في عطل نهاية الاسبوع،  فهذا كان دائما  يجعل سان شيطان في صدام محتمل. ولم يكن هناك من شئ يبلغ بسان شيطان درجة الاستفزاز الحاد أكثر من جندي شاب، يجده لا يختلف في شى عن تلميذ في الابتدائي مقارنة بقوته الجبارة، ومع ذلك يعترضه ويغلق عليه الطريق، آمرا  اياه بوجوب إعطائه سيجارة.

سان شيطان قام بمسح سريع للطريق لمعرفة ما إن كان الجندي متفردا أم في جماعة. وحين لاحظ وجود جنود كثر،  عمل إلى تخفيف حدة الموقف مستفسرا  السائل: هل هذه  السيجارة عن طيب خاطر، أم اني ملزم بذلك؟

أجاب الجندي بوقاحة: اعتبرها كيفما شئت.

بلغ الغضب مداه. وبسرعة مذهلة، لف الجندي تحت ذراعيه، و ألقى به في منحدر شديد التدرج. ولاذ بالفرار.


*صفرو : مدينة صغيرة و عريقة توجد بالقرب من فاس بحوالي 28 كلم.

*الملاح : الحي اليهودي.

*المخازنية: فرقة من الأمن.







Share To: