حديث الجمعة | القدوة الحسنة 56 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف 

   

حديث الجمعة | القدوة الحسنة 56 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف


أيها القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن التيسير فى الزواج واليوم بإذن الله تعالى أحدثك عن القدوة الحسنة فى السكن بين الزوجين امتثالاً للحملة الدعوية التى يطلقها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف

       ( لتسكنوا  إليها) 

فأقول وبالله التوفيق والسداد ومنه الهداية والرشاد

فإنّ نعم الله على العباد كثيرةٌ لا تحصى، قال تعالى: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" [النحل: ١٨]، وإنّ من نعم الله على العبد الزواج، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:٢١]، فجعل سبحانه الزواج من آياته الدالة على قدرته ورحمته وعنايته بعباده، وجعل بينهما من المودة والرحمة ما لا يكون بينهما وبين غيرهما، فلا ألفة بين شخصين أعظم مما بين الزوجين.

وبيّن الله سبحانه وتعالى العلة من هذا الزواج فقال: "لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا"، وقال في آية أخرى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" [الأعراف:١٨٩]، والسكن يوحى بالطمأنينة والأمن والسكينة والراحة، وكل هذه المزايا متوافرة في الزواج.

وهذا السكن الذى أشار الله إليه في الآية فيه دلالة إلى قرب الزوجين من بعضهما، وقد وصف الله درجة القرب بينهما بقوله "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" [البقرة:١٧٨]، واللباس هو أقرب ما يكون للبدن.

وبسبب هذا القرب تتولد المودة والرحمة بينهما، فيعيشان مطمئنين سعيدين، مهما اختلفا أو تخاصما.

كما قد بيّن صلى الله عليه وسلم نعمة الزواج وفضله لكل من الزوجين، فقال في الرجل يرزقه الله زوجة صالحة: "من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثانى" أخرجه الطبراني والحاكم

فالمرأة الصالحة خير معين للرجل في دنياه، وفي تربية ولده وذريته، وفي أدائه لشعائر عبوديته لله تعالى.

ومن صفات هذه الزوجة الصالحة كما قال صلى الله عليه وسلم: "خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره" رواه أحمد والنسائى

ومن صفاتها كذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِى إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْد زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى" رواه النسائي

وتأمل معي أخى الفاضل هذه المواقف من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم التى تبين أثر المرأة الصالحة في حياة الرجل، فلما نزل الوحى على النبى صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء، وأصابه ما أصابه من الفزع، إلى أين ذهب؟

ذهب إلى خديجة رضى الله عنها دون غيرها من أهل مكة، وكان لها رضى الله عنها الأثر البالغ في مواساة النبى صلى الله عليه وسلم وطمأنته.

ومن المواقف كذلك ما حصل في صلح الحديبية لما أمر النبى صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتحلل من إحرامهم، فتأخروا في الاستجابة له، فدخل مغضبا على أم سلمة، فأشارت عليه برأى أذهب غضبه، وتبعه الصحابة رضوان الله عليهم وائتمروا بأمره.

ومن المواقف كذلك التى استفادت منها الأمة قاطبة ما نقلنه رضى الله عنهن من السنة الفعلية والقولية للأمة مما كان معهنّ في بيوتهنّ.

ولعل وفاة النبى صلى الله عليه وسلم على صدر زوجته عائشة رضي الله عنها يبين لك أيها الزوج مكانة الزوجة في حياة الزوج.

وفي المقابل اعتبر النبى صلى الله عليه وسلم الزوج الصالح من نعم الله على الزوجة، فقال: "لعل إحداكن تطول أيمتها بين أبويها، وتعنس فيرزقها الله زوجا ويرزقها منه مالا وولدا " أخرجه البخارى في الأدب المفرد والترمذى وأحمد

، فسمى الزوج والولد رزقا، والرزق حقه الشكر لا الكفر، فمن شكرت بورك لها فى زوجها وولدها.

والمرأة تتقرب إلى الله بطاعة زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلى الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد.

أربعة أعمال: المحافظة على الصلاة، وأداء الصيام، وتحصين العرض، وطاعة الزوج، والجزاء أن يقال للمرأة يوم القيامة: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت.

ومما ورد في عظيم حق الزواج على زوجته ما رواه أحمد في المسند عن حصين بن محصن رضى الله عنه أن عمة له أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقال لها: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم قال: فأين أنت منه؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه.

 قال: فكيف أنت له فإنه جنتك ونارك:

مما مضى يتضح لنا جليا نعمة الله علينا بالزواج، رجلا أو امرأة، فعلينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، بقلوبنا وألسنتنا وأعمالنا.

ومن شكر نعمة الزواج القيام بالحقوق والواجبات المنوطة بكل من الزوجين تجاه الآخر

.كل هذه الحقوق وغيرها من حُسن الخُلق والمعاشرة بالمعروف واحترام المشاعر يجعل الزواج سكنا وإستقرارا وتربية جيل مسلم ينفع الدين ويحمى البلاد والأوطان ويحافظ على فلذات الأكباد من الضياع والدمار ويحقق الغاية المنشودة من قوله تعالى "لتسكنوا إليها"

نفعنى الله وإياكم بما نقول وغفر لنا ولكم كل ظاهر ومستور وبارك فى ذرياتنا إلى يوم النشور بجاه من شفاعته عند الله لن تبور.







Share To: