فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "إِنَّهَا فَرِيضَةُ الْحَجِّ"
تَسْتَقْبِلُ الأُمَّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ فَرِيضَةً عَظِيمَةً ، وَعِبَادَةً جَلِيلَةً ، وَرُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ دِينِهَا الْمُبَارَكِ .
قَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى :
﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العَالمِينَ﴾
[آل عمران: 97]
إِنَّهَا فَرِيضَةُ الْحَجِّ ، تِلْكَ الرِّحْلَةُ الإِيمَانِيَّةُ، وَالتَّرْبِيَةُ الرُّوحِيَّةُ ، وَالتَّجْسِيدُ الْعَمَلِيُّ لِعُبُودِيَّةِ رَبِّ الْبَرِيَّةِ .
🌴رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :
بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ :
شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،
وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ .
وَفِي الْحَجِّ تَتَجَلَّى فِيهِ مَظَاهِرُ التَّوْحِيدِ للهِ ، وَإِفْرَادُ الْعِبَادَةِ لَهُ سُبْحَانَهُ حَيْثُ هَيَّأَ اللهُ مَكَانَ الْبَيْتِ لإِبْرَاهِيمَ ، وَكُلِّ مَنْ تَبِعَ مِلَّةَ الإِسْلاَمِ الَّتِي نَادَى بِهَا ، وَنَادَى بِهَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَمَا نَادَى بِهَا جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ ، وَحَمَلَ اللهُ ذُرِّيَّةَ إِبْرَاهِيمَ إِلَى مَكَانِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ .
وَفَجَّرَ لَهُمْ فِيهَا الْمَاءَ ، وَأَقْبَلَتْ قُلُوبُ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، وَجَعَلَ فِيهِ مِنَ الْخَصَائِصِ وَالْبَرَكَاتِ مَا يَكْفُلُ السَّعَادَةَ لِلْبَشَرِيَّةِ .
وَأَمَرَ خَلِيلَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِتَطْهِيرِهِ مِنْ كُلِّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ الشِّرْكِ ، وَتَهْيِئَتِهِ لأَهْلِهِ وَخَاصَّتِهِ مِنَ الطَّائِعِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ .
قَالَ تَعَالَى :
﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾
[الحج: 26 - 29]
#وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ بِالْحَجِّ :
🌴التَّلْبِيَةُ :
فَبَعْدَ أَنْ يَتَجَرَّدَ الْحَاجُّ مِنْ لِبْسِ التَّرَفِ بِاللِّبَاسِ ، وَيَلْبَسَ لِبَاسَ الإِحْرَامِ الَّذِي يَتَسَاوَى فِيهِ كُلُّ الْحُجَّاجِ شَرِيفُهُمْ وَوَضِيعُهُمْ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ رَئِيسُهُمْ وَمَرْؤُوسُهُمْ .
وَيَتَذَكَّرُ الْحَاجُّ فِي هَذَا اللِّبَاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَمَا يَأْتِي رَبَّهُ حَافِيًا عَارِيًا لِيَزِيدَهُ بِذَلِكَ خُضُوعًا وَخُشُوعًا للهِ تَعَالَى ؛ ثُمَّ يُهِلُّ بِالتَّوْحِيدِ بَعْدَ نِيَّةِ الدُّخُولِ بِالنُّسُكِ ، وَيُعْلِنُ الْبَرَاءَةَ مِنَ الشِّرْكِ بِقَوْلِهِ :
« لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكُ ، لاَ شَرِيكَ لَكَ » .
لِيَكُونَ الْحَاجُّ بِهَذَا الإِهْلاَلِ قَدْ أَعْلَنَهَا اسْتِجَابَةً بَعْدَ اسْتِجَابَةٍ ، وَمَحَبَّةً بَعْدَ مَحَبَّةٍ لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي خَلَقَهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ ، بِتَلْبِيَةِ نِدَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِحَجِّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ .
يُعْلِنُهَا وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهَا ، وَأَنَّ اللهَ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَلاَ أُلُوهِيَّتِهِ وَلاَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، فَهُوَ الْخَالِقُ الْمُدَبِّرُ ، الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ، الْمُحْيِي الْمُمِيتُ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ ، الْمُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ مَعَهُ غَيْرُهُ .
وَهُوَ الَّذِي لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى ؛ وَلاَ مَثِيلَ لَهُ وَلاَ نِدَّ وَلاَ شَبِيهَ .
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
[ الشورى : 11 ]
وَقَوْلُهُ :
« إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكُ لاَ شَرِيكَ لَكَ »
أَيْ : إِعْلاَنٌ وَإِقْرَارٌ وَاعْتِقَادٌ وَانْقِيَادٌ أَنَّ اللهَ وَحْدَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ كُلِّهِ وَالْكَمَالِ كُلِّهِ ؛ فَهُوَ الْمُنْعِمُ ، وَالنِّعَمُ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِهِ .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَالِكُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَالِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَخْرُجُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاءِ وَلاَ فِي الأَرْضِ عَنْ مُلْكِهِ وَقَهْرِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَتَصَرُّفِهِ ، فَلاَ مُعِينَ لَهُ وَلاَ نِدَّ وَلاَ شَرِيكَ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ .
فَمَا أَجْمَلَهُ مِنْ مَنْظَرٍ !
وَمَا أَحْلاَهُ مِنْ صَوْتٍ ، يُرَدِّدُهُ الْحُجَّاجُ بِاخْتِلاَفِ أَلْوَانِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ حَتَّى الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ يُلَبِّي بِتَلْبِيَتِهِمْ .
كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :
« مَا مِنْ مُلَبٍّ يُلَبِّي إِلاَّ لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا » .
رواه ابن ماجه، وصححه الألباني من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه]
أَيْ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الأَشْيَاءِ تَتَجَاوَبُ مَعَ الْمُلَبِّي وَتُلَبِّي مَعَهُ لِفَضْلِ هَذَا الذِّكْرِ وَشَرَفِهِ وَمَكَانَتِهِ عِنْدَ اللهِ .
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا ثَبَاتًا عَلَى الدِّينِ ، وَأَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
#وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ فِي الْحَجِّ :
🌴الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ طَاعَةً للهِ وَإِجْلاَلاً ، وَتَعْظِيمًا لِشَعَائِرِهِ وَإِخْلاَصًا .
كَمَا قَالَ تَعَالَى :
﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾
[الحج: 32]
فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْمُسْلِمُ هَذَا الْمَعْنَى الْعَظِيمَ وَهُوَ يَرَى الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، فَيَبْتَدِئُ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ بِذِكْرِ اسْمِ اللهِ تَعَالَى وَتَكْبِيرِهِ امْتِثَالاً وَقُرْبَةً يَتَقَرَّبُ بِهَا لِرَبِّهِ لاَ لأَجْلِ هَذَا الْبِنَاءِ الْجَمِيلِ ، وَالتُّرَاثِ الْقَدِيمِ وَالْمَعْلَمِ الإِسْلاَمِيِّ الْخَالِدِ ، وَلَا لأَجْلِ الْحُصُولِ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ .
وَإِنَّمَا يَطُوفُ حَوْلَهُ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ﴾
[الحج: 29]
فَمَا أَعْظَمَ هَذَا الْمَعْنَى ، وَاسْتَشْعِرُوا فِي كُلِّ عِبَادَةٍ تُؤَدُّونَهَا حَقَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْكُمْ ، وَاسْتَحْضِرُوا عَظَمَتَهُ وَقُدْرَتَهُ ، وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَبُّكُمْ وَإِلَهُكُمْ وَأَنْتُمْ عَبِيدُهُ .
وَأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُفْتَقِرُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِكُمْ وَأَحْيَانِكُمْ وَشُؤُونِكُمْ .
▪️مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ الحَجَّ
إِنَّ الحَجَّ مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ التِي شَرَعَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ الرُّكْنُ الخَامِسُ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ ، فَرَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَهُ مَقْرُوناً بِالإِسْتِطَاعَةِ .
قَالَ تَعَالَى :
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
وَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ :
بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ لِمَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .
وَمِنْ تَيْسِيرِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الحَجَّ عَلَى المُسْلِمِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمُرِهِ ، وَرَبَطَ ذَلِكَ بِالإِسْتِطَاعَةِ .
🌴قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ :
الحَجُّ مَرَّةً ، فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ .
🌴وَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الحَجِّ :
تَخْلِيَةُ الطَّرِيقِ ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُلْقُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .
🌴وَمِنَ القَوَاعِدِ المُقَرَّرَّةِ عِنْدَ العُلَمَاءِ :
أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ إِثْمِ الحَرَامِ ، مُقَدَّمَةٌ عَلَى اكْتِسَابِ مَثُوبَةِ النَّفْلِ .
وَلَا يَخْفَى مَا يَحْصُلُ مِنْ الحُجَّاجِ المُتَنَفِّلِينَ الذِينَ حَجُّوا حَجَّةَ الفَرِيضَةِ ، مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ المُسْلِمِينَ المُفْتَرِضِينَ وَإِيذَائِهِمْ ، وَمُزَاحَمَةِ المَكَانِ عَلَيْهِمْ ، وَحُصُولِ المَشَقَّةِ وَالمَهَالِكِ فِي مَوَاطِنِ المَنَاسِكِ وَالمَشَاعِرِ .
المُتَأَمِّلُ لِحَالِ النَّاسِ اليَوْمَ ، يَرَى العَجَبَ ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِي بَابِ النَّوَافِلِ إِلَّا الحَجَّ ، فَيَا أَخِي المُسْلِمُ :
إِنْ كَانَ لَدَيْكَ مِنْ المَالِ مَا تَسْتَطِيعُ الحَجَّ بِهِ ، وَأَنْتَ قَدْ أَدَّيْتَ فَرِيضَةَ الحَجِّ ، وَتُرِيدُ الأَجْرَ وَالثَّوَابَ مِنْ اللهِ ، فَأَعْطِ هَذَا المَالَ لِمَنْ لَمْ يَحُجْ لِيَحُجَّ بِهِ ، فَيَكُونَ لَكَ أَجْرُ عَظِيمٌ ، فَالدَّالُ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ ، وَيَكُونُ لَكَ أَجْرُ العَوْنِ وَالمُسَاعَدَةِ .
فَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا دَامَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ، وَلَكِ أَجْرُ التَّوْسِعَةِ عَلَى إِخْوَانِكَ المُسْلِمِينَ فِي المَشَاعِرِ .
أَبْوَابُ الخَيْرِ كَثِيرَةٌ جِداً ، فَلِمَاذَا نَخْتَزِلُ الخَيْرَ فِي الحَجِّ ، وَالمُؤْمِنُ البَصِيرُ هُوَ مَنْ يَخْتَارُ مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَوَاقِعِهِ ، وَمَا يَكُونُ أَرْفَقَ بِزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ ، وَلَا يَتَجَشَّمُ أُمُوراً قَدْ يَأْثَمُ فِيهَا ، كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الحَجَّ الحُصُولُ عَلَى تَصْرِيحٍ لِلْحَجِّ ، لِئَلَّا يَقَعَ فِي حَرَجٍ وَمُسَاءَلَةٍ ، فَالتَّعْلِيمَاتُ التِي صَدَرَتْ بِذَلِكَ صَارِمَةٌ ، حِفَاظاً عَلَى أَمْنِ الحُجَّاجِ وَسَلَامَتِهِمْ .
الحَجُّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ ، يُطْلَبُ مِنْ العَبْدِ فِعْلُهَا بِنَفْسِهِ ، إِنْ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، فَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِجَوَازِ الإِسْتِنَابَةِ فِيهِ ، وَذَلِكَ فِي الفَرِيضَةِ ، وَفِي حَالِ اليَأْسِ مِنْ فِعْلِهَا .
🌴وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي البُخَاريِّ :
مِنْ حَدِيثِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا :
أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَارَسُولَ اللهِ ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ الحَجَّ ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخاً كَبِيراً ، لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟
قَالَ : نَعَمْ .
وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ .
🌴وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ :
أَنَّ امْرَأةً قَالَتْ يَارَسُولَ اللهِ ، إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ ، وَلَمْ تَحُجْ حَتَّى مَاتَتْ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟
قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ اقْضُوا حَقَّ اللهِ ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالوَفاَءِ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا كَانَ أَصْلاً فِي الشَّرِيعَةِ ، وَمَا أَوْجَبَهُ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ ، بِنَذْرٍ أَوْ نَحْوِهِ ، وَهَذَانِ الحَدِيثَانِ يَدُورَانِ حَوْلَ حَجَّةِ الفَرِيضَةِ ، وَحَجَّةِ النَّذْرِ وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ العَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرِهِ .
وَهُنَا إِنْتَبِهُوا أَيُّها المُسْلِمُونَ ، لَا بَأْسَ بِالإِنَابَةِ فِي الحَجِّ ، فِي حَجَّةِ الفَرِيضَةِ وَحَجَّةِ النَّذْرِ فَقَطْ وَأَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ ، وَهُوَ الزَّائِدُ عَنْ الفَرِيضَةِ ، فَلَا يَنْبَغِي الإِنَابَةُ فِيهِ ، لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَسَاهَلُوا ، فِي التَّوْكِيلِ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ .
وَقَدْ مَنَعَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ مِنْ تَوْكِيلِ القَادِرِ ، شَخْصاً آخَرَ يَحُجُّ عَنْهُ تَطَوُّعاً ، وَلَا يَصْلحُ التَّسَاهُلُ فِي ذَلِكَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ .
وَأَمَّا حَجَّةُ الفَرِيضَةِ فَتَعَجَّلُوهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
تَعَجَّلُوا الحَجَّ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ .
نَسْألُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَ المُسْلِمِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ .
Post A Comment: