الكاتبة السودانية / هند فيصل تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "منبتُ الهوى"
كيفَ أصبحَ الحُبُّ حامِلًا للسعادةِ والغيرةِ والكآبة في آنٍ واحد!!
كان يامكان في غابرِ العِصورِ والأزمان، في قريةٍ صغيرة، يعيشُ فِيها (الحب) هانِئًا ومُرتاحًا، ينعمُ بِسيطهِ الواسِع، ومحبَّةِ الناسِ له، فلقد كان ناشِرًا للودِّ والأُلفةِ أينما حلَّ وجلس.
ذاتَ صباح وهو جالسٌ مع صديقهِ (الفرح) يتبادلان الأحاديثَ الحُلوة، عرضَ عليهِ الأخير الزواجَ من ابنته (السعادة) ففيهما من التوافق ماسيملئان به الدنيا أطفالًا مُشرقين ومسرورين، فكّر (الحب) قليلًا بهذا العرض، فأردف (الفرح) قائلًا: لا تقلق أبلغني موافقتك، وكُل تكاليفُ الزواجِ ستكونُ عليّ، أُعجِب (الحب) بالفكرةِ كثيرًا، وقرر أن يُوافق عليها.
انتشر خبر خِطبة (الحب) من (السعادة) انتشار النار في الهشيم، فلقد كان كل الأباء والأمهات يبغون (الحب) زوجًا لبناتهم، اشتعلت (الغيرة) وتأججت غضبًا بعد أن علمت بهذا الخبر، وقررت أن تكيد مؤامرة؛ لتوقع الحب في شباكها.
أخبرت أباها أن يستضيف (الحب) لديهم على الغداء، فوافق الأب وأتى (الحب) ضيفًا، جلس الأب وابنته مع (الحب) للطعام، فقام الأب بعد أن أنهى طعامه، فاستغلّت (الغيرة) هذا الانفراد وباغتتِ (الحب) بسؤالها قائلة: هل تتزوجني؟
استغرب من سؤالها وقال: لابد وأنكِ تعلمين بخِطبتي من (السعادة) فأجابت: وما الذي يمنع أن تتزوج اثنتين؟
أنا أجمل منها بكثير وأُحبك جدًا، وسأهتم بك أكثر منها صدقني، ارتبك (الحب) ولم يدري ماذا يقول، فقالت (الغيرة): لا أريد منك أي شيء، فقط قل أنك موافق وسآتي إليك بكل صدرٍ رحِب، جاء والد (الغيرة) فانقطع الحديث.
شكر (الحب) (الغيرة) وأباها على حُسن الضِيافة، ومضى يفكر في العرض المُغري الذي قدمته له (الغيرة)، فهي جميلة جدًا، وكل رجال الحي يريدون الزواج بها، ولكن طبع الغيرةِ الذي يسيطر عليها، يجعلهم خائفين من الارتباط بها.
وصل (الحب) إلى بيته فوجد الباب مفتوحًا، لم يراوده شك بأنه قد أغلقه عند خروجه نهار ذلك اليوم، دلف إلى غرفته فوجد (الكآبة) على سريره تبكي وتنوح، اندهش وتعجب قائلًا: ماذا تفعلين هنا؟؟
وكيف دخلتِ ولماذا؟؟
رفعت (الكآبة) رأسها وخدّيها محمرَّان كالعادة من أثرِ البكاء، نزلت من السرير واتجهت نحو (الحب) ورجلاها لا يكادا يقويا الوقوف دقيقةً واحدة، و قالت بصوتٍ خافتٍ مبحوح: لماذا؟؟
لماذا قد فعلت بي هذا؟؟
وأنا التي قد ضاق بيَ الكون في انتظارك؟؟
تعبتُ من المراقبة والاندساس، قلبي لم يعد يقوى على هكذا حال، أن أعرف عنك كل شيء وأنت لاتدري بوجودي.
ذهبتَ وخطبتَ (السعادة) بكل ما أوتيت من وقاحة، يا لجبروتك يارجل! ألم ترِقِّ هذه المُضغة على يسارك؟
أحببتُكَ حدّ النُخاع ولم تبادلني إلا بالخيانة!!
قال (الحب): عن ماذا تتحدثين؟؟
وأي خيانةٍ هذه ونحن لم يطرأ بيننا حديثُ من قبل!!
قالت (الكآبة): لا يهُم، كان يجب عليك أن تفهم وتعي أنني لم أُسمَّى كآبةً بدون سبب، أن تدري تمامًا أنك أنت، وأنت فقط من يستطيع تخليصي من هذا العذاب، اقتربت (الكآبة) من (الحب) وقالت: تقول الأسطورة ياعزيزي، عندما يتزوج (الحب) من (الكآبة) لا يعود في الكون مايدعي للحزنِ أو للدموع، يتجانس الاثنان فيصبح كل محبوبين أعلم بخبايا بعضهما، مايسعدهما ومايحزنهما، ولا يجد الخصام دربًا إليهما، أدري أنك تُحب الخير وتريد للمحبّةِ أن تنتشر في أرجاء هذا الكوكب، دعنا نتزوج ونحقق لهم هذه الأمنية، تخيّل أن تزول الأوجاع من قلوب الأحبِّة، ويختفي الجفاءُ من الصدور، أدري أنك لاتريد شيئًا من هذا العالم بقدرِ تحقيق هذه الأمنية، لا تتردد أنا معكَ ولن أترككَ أبدًا، لا أريد منك سوى الموافقة، وسآتي إليك مهرولةً أبغاك وأبغى القرب منكَ مدى الحياة.
وذهبت (الكآبة) تاركةً (الحب) غريقًا في بحر أفكاره، ثلاث زوجات، وثلاث مفترقات كبيرة جدًا ستأخده كل واحدة منهن إلى طريقٍ مختلف.
صبيحةَ اليوم الثاني، نهض (الحب) وقد أدرك قراره وماسيفعل، ذهب (للسعادة) وقال لها سأتزوجكِ شرط أن تقبلي (بالغيرة) و(الكآبة) زوجاتٍ لي معك، وبإصرار الأهل رضيتِ (السعادة) فمضى (للغيرة) وأخبرها الموافقة بشرط أن يتزوج عليها (الكآبة) فوافقت على مضض، وقال (للكآبة) سيكون معكِ اثنان يشاركاني إياكِ هل لازلت على عرضكِ؟
فأجابت: أبد الدهر ياعزيزي.
وهكذا أصبح (الحب) زوجًا وسيّدًا (للسعادة) و(الغيرة) و(الكآبة) يتحكم بهن كيفما أراد، ولا يكون الحب لإحداهن دون الأخرى، خليطٌ يمنح الحياة مذاقها المعسول، ومرارتها الشديدة، يطيقها من قد وجد في الحب مآله ومسكنه، وتُكدِّره من لم يكن جاهزًا لهكذا عِبئ، يقلبُ حياتهً رأسًا على عقِب.
الكاتبة السودانية / هند فيصل تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "منبتُ الهوى"
Post A Comment: