الكاتب السوداني / أحمد سليمان أبكر يكتب مقالًا تحت عنوان "آمال وطن" 


الكاتب السوداني / أحمد سليمان أبكر يكتب مقالًا تحت عنوان "آمال وطن"


الوطن قد تعصف به رياح الزمن ولكنه يبقى مكلل بالخلود،ومهما نبا بأهله فسوف يظل يقطر أُلفة، ويسدي ذكريات لا تنسى، ويحفر آثاره في شغاف القلوب باسمه.

 سبحت أرواحهم على غير معرفة منهم في عالم بعيد عن عالمهم وهي تحلم بمآتي المستقبل، وتتأهب للوقوف أمام مخاوفه وأهواله. أربعة من البسطاء الأبرياء  تختلف أفكارهم باختلاف مقاصدهم من الحياة وتتفق سرائرهم باتفاق قلوبهم بالمودة والوطن،أب وأم يحبان أبنائهما ولا يحفلان بغير سعادتهم،وفتاة تحدِّق إلى المستقبل لترى ما يُخبئ لها من الغبطة والحزن،وفتى تعصف به الأحلام والهواجس،يحاول عبثًا تحريك جناحيه ليطير سابحًا في فضاء الحق والحرية، ولكنه لا يستطيع النهوض لضعفه.

لقد طاف في ظلام الحياة،ونورها، وشاهد مواكب الأمم والشعوب سائرة من الكهوف إلى الصروح، ولكنه لم ير للآن غير رقاب بني وطنه منحنية تحت الأثقال،وسواعدهم موثوقة بالأغلال،وآثار قيودهم مطبوعة على صفحات الوطن بجانب آثار أقدامهم ولا زالت الآكام والقيعان،والكهوف والغابات تردد صدى نواحهم جيلًا بعد جيل وصدورهم ملئ بأوجاع التأمل ومرارة التفكير،وأصابع الحيرة والالتباس تنسج  نقابًا من اليأس والقنوط حول قلوبهم ليل نهار،قدرهم أن من يتقدمون الصفوف أطفالًا يتقلبون على الأوحال ويترامون بالحجارة،ويبنون من المواعيد الفارغة قصورًا مزخرفة بالكلام وهياكل مسقوفة بالأحلام، فهم يتكلمون كالبحار وأفعالهم كالمستنقعات،ويرفعون رؤوسهم فوق قمم الجبال ونفوسهم قابعة في ظلمة الكهوف.

ولا زال الوطن في مطلع كل عام، يستيقظ من سباته العميق، ويقف أمام أشباح الأجيال ناظرًا بعيون مغلفة بالدموع نحو وجوههم البائسة ليرى إن كان الأمل وضعهم في مهد الأحلام بعد أن حبلت بهم الكآبة وتمحّض بهم اليأس،وأنهم قد نفضوا عن كاهلهم آلام دهرهم وأحزانه، وطاروا مرفرفين فوق رؤوس اليأس والإحباط مثلما ترفرف أسراب النحل فوق المستنقعات الخبيثة سائرة نحو البساتين المزهرة.

***




 الكاتب السوداني / أحمد سليمان أبكر يكتب مقالًا تحت عنوان "آمال وطن"



Share To: