الأديب التونسي / رضا العياشي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "طلاق" 


الأديب التونسي / رضا العياشي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "طلاق"


عاد إلى منزله، و الليل يمضي نحو هزيعه الاخير، رأسه مطرق و عيناه ساهمتان ، وهو يدلج في العتمة بخطى وئيدة،  و ظلّه الباهت يسبقه و قد يرتدّ منحسرا كلّما تخطّى فانوسا من تلك الفوانيس المعلّقة على جدر الأزقّة المتعرّجة للحيّ.

وصل أخيرا، ألقى بجسده المنهك على الأريكة المهترئة في ركن مظلم من الغرفة التي لاح عطن هوائها، صدر صريرا فجّا زاد في تعكير مزاجه .

النور الخافت المتسرّب من الفانوس العمومي إلى الداخل عبر أضلع النافذة المكسورة لم يبدّد وحشة نفسه الضمآى .جفاه النوم و أبى النعاس أن يداعب جفونه. عاوده الحنين وعصفت به الوشائج،  لقد طالت الجفوة هذه المرّة ، شهران مرّا على آخر عهد له بها، تفاصيله لا تزال ماثلة بين ناظريه ..ليلتها، الناظر في عينيه يُبصر توهجا ورغبة في الوصال لا قبل له بصدّها، أسره جمالها وعبق رائحتها. كانا وحيدين ،اقترب منها، لامسها بأنامله المرتعشتين مبديا رقّة متناهية ثم لثمها بشفتيه الغليظتين اللتين تتوسطان شاربين كثّين و لحية غير حليقة غزاها البياض . تسربّت رائحتها العذبة إلى كيانه فأنعشته، رائحتها المثيرة التي طالما كانت سببا في تبرّم زوجته و شكواها ،   أغمض عينيه للحظات درءا لحيرة وتردد يعودانه باستمرار : ماذا لو أنهى علاقته بها، ووضع حدا لهذا العشق الذي بلغ منزلة الإدمان، أما ان له أن يريح  نفسه  من عبءٍ جثم على صدره!! و لاحت ارتداداته على وضعه المعيش.

 تاه في خضمّ تزاحم و تطاحن الهواجس، بعضها تدفعه الى تحكيم قلبه و مواصلة التجربة، و البعض الآخر تدعوه الى تغليب صوت الحكمة ، فكلمات طبيبه الخاص و تلميحات الرفاق وهم يدعونه إلى ضرورة فراقها لا يزال صداهما يقرع سمعه.

انكفأ على نفسه للحظات يلتمس مخرجا. أخيرا،  ها هو 

 يشيح عنها ويرمي بها إلى الأرض قبل أن يحكم رفسها.

كان  ذلك آخر عهد له مع التدخين الذي بدأه مقلّدا و لازمه بضع سنين .


الأديب التونسي / رضا العياشي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "طلاق" 





Share To: