الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "لقد سامحوه جميعاً إلا أنا!" 


الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "لقد سامحوه جميعاً إلا أنا!"


أسمرٌ مُلتحي، ابتسامته انتشالٌ من قاعِ الكآبةِ إلى قمةِ السعادة؛ كمفقودٍ عاد يوم عزاءه! غمازةُ خده الأيسر غائرةٌ أكثر من الأخرى كأنها مثقوبةٌ لا محفورة.. يتوسط رفقته في جلسة القهوة، عند (زوبة سِت الشاي) يجلس مع مجموعةٍ من الأصدقاء لا يقل عددهم عن عشرة، لا يهم كم العدد بالضبط، فلم أرَ إلا واحداً، بائنٌ بين مجموعته.. لم يكن أكثرهم وسامةً ولا أرفعهم قامةً ولا أكثرهم أناقةً بحسب بيوت الموضة والأزياء، لكنهُ بذلك الـ(تي شيرت الأسود، وبنطال الجينز الباهت) بدا لي وكأنه يرتدي صيحة من صيحات الموضة، وليس ذلك المظهر المكرر الذي نراه يوميًا في طرقاتنا أو نرتديه.


أدهشني أمرُ ذلك الشاب -الجذاب- إنه حقًا كذلك؛ مُلفت جدًا بغيرِ مجهودٍ منه، كلما نظرت إلى ذلك الجمع، أراني في عينيه، أُراقب حركاته وسكناته، عندما يتحدث يُكثر من حركة يديه، تعابير وجهه تُنبئك عن أي شيءٍ يتحدث، قصة ساخرة أم حزينة أم مشوقة! كله بائنٌ في ذلك الوجه البريء، لن أكذب وأقول الجميل! لكنني سأُكرر بملء فيهِيّ إنه كان مُلفتًا! في ملامحه راحة ونقاء، في وجهه معنى السلام الحقيقي لا ذاك الذي تخدعنا بتوقيعه النُخب والحكومات.


نقاء وصفاء وجه (كِراشِي) نابعٌ من روحه، لا لون بشرته ولا جمال سحنته.. كان أكثرهم ضجيجًا رغم هدوئه ورزانته، إذا تحدَّث غيره يُنصت باهتمام، يتكئ على الجدار الذي خلفه، يلتفت كل فينة وأخرى إلى (زوبة)، فيمازحها أو يسألها فتجيب ساخرة! فتضحك ويضحك مرات ومرات، وكأنه يتلذذ باصطياد مزيد من الضحايا بذلك الوجه الملائكي، بخفة الروح وعفوية الضحك والابتسام.


فجأة بدأت المركبة بالدوران، نعم، يبدو أنّ العطل قد زال، فيالها من "عَطَلة"! مرت تلك الساعة وكأنها لحظة، فبالرغم من أني أكره تعطل مركبات المواصلات، وأجدني أول المغادرين حال حدوث ذلك؛ إلا أنّ تلك المرة كانت الوحيدة التي أُجْبَر فيها على البقاء والتسمُر مكاني دون حراك، نعم أُجبِرت؛ أجْبرني ذلك (الجبّار) فمنذ أن تعطلت المركبة ومع أول إلتفاتة نحو نافذة المركبة لأستطلع أين نحن بالضبط، خرجت ولم أعد، إلا عندما دار محرك السيارة، وسمعت السائق يعتذر عن التأخير ويطلب السماح، لقد سامحوه جميعًا إلا أنا!





Share To: