سرد التاريخ في خريف الأندلس لمحمد فتحي | بقلم استاذه عزة مصطفى عبد العال _ كاتبة وأديبة مصرية


سرد التاريخ في خريف الأندلس لمحمد فتحي | بقلم استاذه عزة مصطفى عبد العال _ كاتبة وأديبة مصرية



ستظل الرواية التاريخية تتمتع بألق خاص بين الأنواع الأخرى حيث تقدم للقارئ متعة القراءة وسرد الحقائق في عملية دمج  تجمع ما بين الماضي والحاضر والمستقبل في حلقة متصلة فيربط القارئ بين حاضره وماضيه لتكوين رؤية عن المستقبل.

 فأبطال الرواية الثلاثة الذين جاءوا من ثلاث بلدان مختلفة تجمعهم دراسة واحدة وهي علم الحضارة وهم  في اختلافهم يجسدون فكرة صراع الحضارات؛ فمعاذ جاء من سوريا هربا من الوضع السياسي المتردي وبلاده كانت مقر الحضارة الأموية, ومايكل الذي جاء من المغرب فهو يجسد الحضارة الامازيغية, وسارة بريطانية الأصل لكنها تعيش في أسرة مفككة وترمز إلى حضارة الغرب,  جمعتهم الدراسة الواحدة لم ينسلخوا عن جذورهم وإن كان الظاهر يوحي بعكس ذلك لكن الكاتب يفضح همومهم من خلال نقاش بسيط حول هوية الملكة إليزابيث وما يتردد عن أصولها العربية ويعتبرون هذا الموضوع نقطة التقاء الحضارات.

 وفي الوقت الذي يبحثون فيه عن فكرة لمشروع بحثي يقع في يد سارة كتاب عن تاريخ الأندلس ثم نجد أنفسنا نتحول إلى قراءة ممتعة بعين سارة وبدون تدخل في أحداث النقلة التي حدثت كأن يشير الكاتب إلى تملل سارة أو تحركت قليلاً أو حدوث أي مؤثر خارجي يفصلنا عن أحداث الأندلس شيء يشبه عرض مسلسل كامل دون فاصل إعلاني يفصلك عن الأحداث وهنا ننتقل إلى الرواية الحقيقية وهي خريف الأندلس.

معروف أن الخريف هو نهاية فصول السنة وخريف العمر مرحلة ما بعد الشباب, وأي دولة تمر بمراحل عمر الإنسان من ولادة لطفولة لشباب لشيخوخة, والأندلس التي كانت عروس العالم الإسلامي وعصره الذهبي تعرضت لانهيار مفجع, والكاتب عرض لوحة رئيسية من قصة سقوط الأندلس وهي فترة حكم المعتمد بن عباد ثم داخل النص عرض لوح فرعية من خلال صداقته مع ابن عمار الشاعر ثم قصة حبه لاعتماد ثم موت الأب وتولية المعتمد حكم أشبلية, وقد خاض الكاتب بشكل غير مباشرفي الأسباب الحقيقية لسقوط الأندلس وهي ضعف الحكام المسلمين وتعاونهم مع الولاة المسيحين من أجل الحفاظ على حكمهم ثم الصراع بين الحكام المسلمين والنزاع على الحكم الذي انتهى بهزيمة المعتمد ونفيه هو وزوجته وسقوط ابنتيه في الأسر زائدة وبثينة. 

نجح الكاتب في الربط بين الماضي والحاضر في نطاق  واسع, لكن أعيب عليه المقدمة المقالية للرواية التي طرح فيها قضية صراع الحضارات وكان الأولى أن يبدأ بمشهد تاريخي حركي يشد القارئ إلى سطور الرواية أما الفكرة الرئيسية فقد طرحها على لسان معاذ ومايكل وسارة.

نجح الكاتب في تنويع مشاهد الرواية ما بين الواقع الخيالي والتاريخ الحقيقي كما وفق في اختيار الشخصيات وعرض ملامحها النفسية والجسدية, استطاع توظيف لغة الحوار مع التحفظ على بعض الأخطاء النحوية كما جاء السرد سلس متناسب مع الأحداث , أري بدايات كاتب من كتاب الروايات التاريخية لن يقل شأنا عن جرجي زيدان .




سرد التاريخ في خريف الأندلس لمحمد فتحي | بقلم استاذه عزة مصطفى عبد العال _ كاتبة وأديبة مصرية


Share To: