الكاتب السوداني / أحمد سليمان أبكر يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "حُرمة الطبيعة"
***
بالأمس صرخ بهم،ملأ منازلهم وشوارعهم بالضجيج محذرًا لهم من جشعهم وقطعهم الجائر الذي أوشك أن يقضي على الغطاء النباتي فتحوا أجفانهم المطبقة بآمال الجشع اللامتناهي،قالوا متثائبين:
ما أزهده فتى لا يغتني ولا يدع غيره يغتنون!
ثم أغمضوا أعينهم وهمسوا في أنفسهم:
إنه مهووس يشوش أفكارنا الحالمة بغدٍ مشرق، ويرشق إنسانيتنا بسهامه الطائشة.
تــحوّلت الأمطـــار في بداية الموسم إلى سيول هادرة جرفت أمامها كل شيء،توقفت فجأة عن السقوط،تضخّمت الشمس،ملأت الأفق اصطلى هجيرها الأرض،جفت الأخيرة تمامًا وأصبحت تملؤها الشقوق وتغطيها بقايا الأشجار المتساقطة وعظام الحيوانات،تحوّل الوادي إلى صحراء قاحلة،لم يعد لأحد في القرية من عمل أو نشاط إلا التصدي للجوع واستنزاف الأيام،وفي نوبة هذا الجفاف اللامتناهي كان عليهم أن يدفنوا العشرات من مواتهم كل يوم، وقد أدرك كل منهم أنه سيكون التالي.
ساد القرية سكونٌ رهيب، فلا يُسمع إلا صوت نعيب البوم يمد صوته بالشكوى إلى الله تعالى في سمائه، وما شكاته إلا أن أهل القرية قد وطئوا الأرض،وانتهكوا حرمة طبيعتها التي تجلت فيها كل معاني عظمة خلقه سبحانه.
هنالك تحت ظلال الأشجار اليابسة رقد الكثيرون تحت أعماق الأرض رقدتهم الطويلةً فلا نسمات الصباح الباردة، ولا تغريد الطيور الصادحة،ولا صياح الديكة،ولا هتاف الرعاة، يوقظهم من رقدتهم هذه،أما الأحياء فقد خرجوا يتبعون سراب الأمل وهم يجرّون أقدامهم، وقد تشققت جلودهم فأصبحت كجلود الزواحف والتهبت عيونهم من وهج الشمس الحارقة، وجفت حلقوهم، وقد أخذو يستاقطون على جنبات طريقٍ مجهول.
***
الكاتب السوداني / أحمد سليمان أبكر يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "حُرمة الطبيعة"
Post A Comment: