فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب : تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فِي الصَّلاَة 


فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب : تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فِي الصَّلاَة


قَدْ تَسَاهَلَ كَثِيرٌ مِنْ المُسْلِمِينَ فِي أَمْرٍ غَايَةً فِي الأَهَمِّيَّةِ ، إِذْ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ سُنَّةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ المُسْلِمِينَ هَدَاهُمْ اللهُ لَدَيْهِ عِلْمٌ بِهَذَا ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ ، وَلَكِنَّنَا جَمِيعًا تَسَاهَلْنَا بِهَذِهِ السُّنَّةِ ، التِي حَرِصَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، َوحَرِصَ عَلَيْهَا خُلَفَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .


بَلْ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ هَذِهِ السُّنَّةَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إِنْكَارَ بَعْضِ المُصَلِّينَ عَلَى مَنْ تَحَرَّى العَمَلَ بِهَذِهِ السُّنَّةِ ، جَعَلَ بَعْضَ أَئِمَّةِ المَسَاجِدِ وَالجَوَامِعِ يِتَسَاهَلُونَ بِهَا ، وَيَتَسَاهَلُونَ فِي حَثِّ المُصَلِّينَ عَلَيْهَا ، سِيَّمَا فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ .


إِنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ هِيَ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ .


فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : 


كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَوَاتِقَنَا وَيَقُولُ : 


إِسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفُ قُلُوبُكُمْ ، وَلْيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ .


وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النُّعْمَانِ بِنْ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : 


كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا كَأَنَّمَا يُسَوِّي بَيْنَ القِدَاحِ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلاً بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ فَقَالَ : 


عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ .


إِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ .


فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :


قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


سَوُّوُا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ .


رَوَاهُ مُسْلِمٌ 


وَعِنْدَ البُخَارِي :


فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ .


وَلَا يَسْتَوِي عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاصِلُ الصَّفِّ وَقَاطِعُهُ فَفِي الأَمْرِ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ .


فَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 


أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ المَنَاكِبِ وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفَّا وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفَّا قَطَعَهُ اللهُ .


أَخْرَجَهُ النَّسَائِي 


وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 


إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ وَمَنْ سَدَّ فُرْجَةً رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً .


رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه 


وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : 


قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ وَمَا مِنْ خُطْوَةٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ خُطْوَةٍ مَشَاهَا رَجُلٌ إِلَى فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ فَسَدَّهَا .


رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ 


فَكَمْ مِنْ الفَضْلِ العَظِيمِ فِي ثَنَايَا هَذِهِ الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ ، عَلَى أَمْرٍ لَا يَزِيدُ صَلاَةَ الجَمَاعَةِ إِلَّا رَوْنَقًا وَكَمَالًا وَبَهَاءً وَجَمَالًا .


وَتَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ تَكُونُ بِالمَنَاكِبِ مِنْ أَعْلَى أَيْ بِالكَتِفَيْنِ ، وَبِالأَكْعُبِ مِنْ الأَسْفَلِ ، أَيْ تَتَسَاوَى السِّيقَانُ ، وَلَيْسَ المَقْصُودُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ القَدَمَيْنِ ، لِأَنَّ السَّيِقَانَ هِيَ أَعْمِدَةُ الأَبْدَانِ التِي تَقُوُمُ عَلَيْهَا .


وَلِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ تَكُونُ قَدَمُهُ طَوِيلَةً وَقَدْ تَكُونُ قَصِيرَةً ، فَإِذَا سَاوَيْنَا الصَّفَّ بِنَاءً عَلَى أَصَابِعِ القَدَمَيْنِ لَمْ يَسْتَوِ الصَّفُّ ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ المَأْمُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ تَكُونُ كَمَا ذَكَرْنَا .


إِنَّ مِنْ كَمَالِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ ، التَّرَاصُّ فِي الصَّفِّ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ .


وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ :


تَصُفُّ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ، يَتَرَاصُّونَ وَيُكْمِلُونَ الصَّفَّ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ كَمَا وَرَدَ .


وَالمُرَادُ بِالتَّرَاصِّ ، عَدَمُ تَرْكِ الفُرَجِ التِي يَدْخُلُ مِنْهَا الشَّيْطَانُ ، وَلَيْسَ المَقْصُودُ بِالتَّرَاصِّ التَّزَاحُمِ ، أَوْ أَنْ يَضَعَ المُصَلِّي قَدَمَهُ عَلَى قَدَمِ أَخِيهِ فَيُؤْذِيهِ ، إِنَّمَا بِالتَّلَاصُقِ ، وَالصُّفُوفُ المُتَرَاصَّةُ المُتَلَاصِقَةُ بِالمَنَاكِبِ وَالأَكْعُبِ ، لَا يَسْرَحُ أَهْلُهَا فِي صَلَاتِهِمْ إِنَّمَا يَكُونُونَ فِي غَايَةِ الخُشُوعِ وَالحُضُورِ ، وَأَمَّا إِكْمَالُ الصُّفُوفِ وَكَثِيرًا مَا نَحْتَاجُ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الجُمُعَةِ لِكَثْرَةِ المُصَلِّينَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا .


وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ يَاعِبَادَ اللهِ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَالآخِرُ ثُمَّ الذِي قَبْلَهُ ، وَمِنْ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ التَّقَارُبُ فِيمَا بَيْنَهَا وَفِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الإِمَامِ لِأَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ ، وَقَدْ خَصَّ اللهُ بِالصُّفُوفِ هَذِهِ الأُمَّةَ ، وَمَيَّزَهَا عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ ، فَهُمْ شَابَهُوا بِذَلِكَ صُفُوفَ المَلاَئِكَةِ فِي السَّمَاءِ كَمَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا :


وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ 


وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : 


خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : 


أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ المَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ 


قُلْنَا : كَيْفَ تَصُفُّ المَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ 


قَالَ : 


يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُولَى ، وَيَترَاصُّونَ فِي الصَّفِّ .


وَلِلهِ الفَضْلُ وَالمِنَّةُ ، الآنَ المَسَاجِدُ فُرِشَتْ وَأُسْرِجَتْ وَكُيِّفَتْ ، وَهَذِهِ الفُرُشُ فِيهَا خُطُوطٌ طُولِيَّةٌ تُعِينُ النَّاسَ عَلَى تَسْوِيَةِ صُفُوفِهِمْ ، وَبَقِيَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَحْرِصُوا عَلَى إِكْمَالِ الصُّفُوفِ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ ، وَعَلَى التَّرَاصِّ وَسَدِّ الفُرَجِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ المُسْلِمُ لِنَفْسِهِ عَمَلاً يَقُومُ بِهِ قَبْلَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ وَهُوَ أَنْ يُسَوِّي نَفْسَهُ مَعَ جَارَيْهِ مِنْ المُصَلِّينَ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَنَا جَمِيعًا عَلَى ذَلِكَ .


وأيضا :


يَنْبَغِي لِأَئِمَّةِ المَسَاجِدِ أَنْ يَتَعَاهَدُوا صُفُوفَ المُصَلِّينَ وَلَوْ بَيْنَ وَقْتٍ وَآخَرَ وَأَنْ يَحُثُّوا المُصَلِّينَ عَلَى تَسْوِيَتِهَا ، بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ .


كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أيْضًا عَلَى المُصَلِّينَ أَنْ يَحْرِصُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَنْ لَا يَأْنَفُوا مِنْ تَنْبِيهِ الإِمَامِ لِذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا هُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ أَمْرُهُ وَسُنَّتُهُ .


🌴وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَإِقَامَتِهَا : 


حُصُولُ الإِسْتِقَامَةِ وَالإِعْتِدَالِ ظَاهِرًا لِتَتَحَقَّقَ الإِسْتِقَامَةُ البَاطِنِيَّةُ وَلِئَلَّا يَتَخَلَّلُ الشَّيْطَانُ مِنْ خِلَالِ الفُرَجِ فَيُفْسِدَ عَلَى المُصَلِّينَ صَلاَتِهِمْ بِالوَسْوَسَةِ كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيثِ .


وَلَا يَغِيبُ عَنْكُمْ مَا لِلصُّفُوفِ المُسْتَوِيَةِ المُسْتَقِيمَةِ مِنْ حُسْنِ الهَيْئَةِ وَجَمَالِ المَنْظَرِ الذِي يُمَكِّنُهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ بِخُشُوعٍ وَاتِّسَاعِ المَسَاجِدِ لَهُمْ .


وَغِيَابِ وُجُوهِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ حَتَّى لَا يَنْشَغِلَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ .


وَأَمَّا إِذَا صَلَّى النَّاسُ فِي الخَلَاءِ وَلَمْ يَكُنْ هَنَاكَ فُرْشٌ مُعَلَّمَةٌ تَضْبِطُ الصُّفُوفَ فَإِنَّهُ حِيَنِئذٍ يَتَعَيَّنُ عَلَى الإِمَامِ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ، حَتَّى تَسْتَقِيمَ الصُّفُوفُ وَتَسْتَوي .


نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَنَا وَإِيَّاُكْم عَلَى أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَأَنْ يُلْهِمُنَا رُشْدَنَا ، وَأنْ يَقِينَا شَرَّ أَنْفُسَنَا وَالشَّيْطَانِ .




فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب : تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فِي الصَّلاَة 


Share To: