الأديب التونسي / أ. المختار عيادي يكتب ومضة تحت عنوان "صفاء" 


الأديب التونسي / أ. المختار عيادي يكتب ومضة تحت عنوان "صفاء"


جلس الشيخ السبعيني إلى الظل المطل على الشارع الرئيسي مساء يوم شقت حرارته رؤوس الطير و طالت عروق الشجر فأذبلته.. ظل يتابع دبيبا خافتا للحركة من بعض النسوة في اتجاه العين يجلبن شرابا باردا و يجمعن ما استجد من أخبار الزواج و الطلاق و الخصومات و السجالات..و ينثرن عناوين الشماتة و التشفي أحيانا و أحيانا يظهرن تعاطفا فياضا و غالبا ما يزدن على الطين ماء تنغمس فيه ألسنتهن إلى منابتها. 

لم يكن أفق حراك النسوة في هذه القرية  ليتجاوز مربع الأعمال المنزلية و بعض الأنشطة الفلاحية او أعمال النسيج التي اشتهرن بها و أظهرن فيها براعة و جمالا يسلبان الالباب ، لقد أصبح يومهن نسخة من أمسهن ، يقسن الزمن بامتداد الظل و انحساره و يقمن على اول زقزقة عصفور ، و كن في بيوتهن هانئات يحجبهن عن الغريب ستار الحياء و الخجل و نهنهة الأب عند كل دخول إلى بهو المنزل حتى تعتدل كل من في البيت من نسوة و تسحب بعضهن غطاء على وجوههن تقديرا و احتراما .

طال انتظار الشيخ ،  و لم يأت الرفقاء مساء هذا اليوم كما عادتهم ، بسبب حرارة الطقس ، و لم يكن من أمره إلا أن  ينتظر لطيف النسمات البحرية تصاعد من أفق البحر ،حتى تشتد الحرارة داخل البيوت و يستطاب الجلوس إلى الظلال للعب "الخربقة " ، و هي لعبة تستمد أهدافها و مقاصدها من مناورات الحرب و حسن التموقع و منطق الغنيمة و تبادل الأسرى واحدا بإثنين حسب ما يقتضيه واقع الهجوم و دقة التحصن.

لم تكن جلساتهم تتماهى مع أعمارهم، فهي لا تخلو من الهرج و الضحك و حتى التلاسن أحيانا لأسباب واهية ، و قد يغضب أحدهم فيغادر رحبة النزال متمتما ممتعضا، لتلحقه ضحكات الجماعة تستفزه ليكون أول الواصلين إلى جلسة الغد محملا بما يلزم من شاي و سكر و فحم، تكفيرا عن غضبه.






Share To: