الأديبة المغربية / سهام محجوبي تكتب نصًا تحت عنوان "أيتها العجوز الفلسطينية"
- مرحبا أيتها العجوز المئوية، أخبرني كيف تحملت مرور كل تلك السنين؟ وكيف تجاوزت أيامك الصعبة التي نخرت روحك دون فقدك لرغبتك في الحياة؟ كيف تحملت أذى الناس؟
- مهلك أيها الفتاة ألقي التحية أولا، كما أن أسئلتك غريبة وكثيرة؟
- لأن الفضول يقتلني ويتحكم بي؟ ونحن معظم الشباب نحب السرعة في كل شيء حتى في حديثنا.
- أولا فلتعلمي أن مئة سنة مرت مثل برهة من الزمن، فالوقت يمضي بسرعة سواء كنت حزينا أو سعيدا، واللحظات الجميلة والسعيدة هي التي تفرز فيك حب الحياة دون إرادتك، وتفكيرك السليم هو الذي يتولى عدم تحكم الحزن فيك مع سهولة تجاوزه. أما أذى الناس فحدثي ولا حرج كان مثل زبد البحر، حتى غدت قائمة الناس المقربين مني تنقص يوما عن يوم، فأنا كنت أحب اعتزال كل ما يؤذيني حتى أقرب الناس إلى قلبي.
- ومن أين كنت تستمدين كل قوتك لمواجهة الصعاب في حياتك؟
- من مصدر الأمان لدي.
- ما معنى مصدر الأمان؟
- مصدر الأمان هو الذي يمدك بالأمان في عز محنتك، فإذا أنت ذكرته أو أحسست بوجوده قُربك اطمأن قلبك، وكل واحد منا لديه مصدر أمان خاص به وبدرجات متفاوتة.
- وما هو مصدر أمانك أنت أيها العجوز؟
- الله هو مصدر أماني الوحيد، وثقتي به لا تقاس، فإذا ما أصابني عسر تيقنت أنه خير لي وأن الله رحيم بي فشكرت، فالأمان بين يدي الله، والسعادة في قربه والرضا عن قضائه، والعزة في ذكره وعبادته والاتكال عليه، أما الراحة الأبدية فهي في جعل قلبك ينبض حبا له وينادي باسمه في كل نبضة. وأنتم معظم الشباب تبحثون عن مصدر أمان لكم وعزة وراحة في الأشياء الغلط والمكان الغلط.
- وما هو أكثر شيء تندمين عليه في حياتك؟
- لست نادمة على شيء، ولو عاد بي الزمن إلى الوراء لاخترت نفس الحياة التي حييتها، بكل تفاصيلها، وبكل أخطائي التي ارتكبتها في الماضي، لأني إثرها تعلمت الكثير، ولم أكن سأتعلم إلا بها. أنا جد راضية عن نفسي وعن حياتي بكل ما فيها من فرص ضيعتها باستهتاري أو عدم تقدير مني، ولا أظن أن أحدا يعيش هذا الحجم من الرضا مثلي، لأني توقفت عن لوم الظروف ونفسي منذ زمن بعيد، لأبدأ حياة جديدة ملؤها السكينة والرضا. أتذكر كم كنت مستعجلة، وهذا ما جعلني أتعلم الآن أن كل شيء يأتي في وقته المناسب والصحيح. لست نادمة على شيء لأن الحياة هي الحاضر وليس الماضي. يكفي أن تكون في غاية الشفافية والوضوح مع نفسك لتتقبلها وترحمها من جلدك لها باستمرار بسبب هفواتها.
- أخبرتني أمي أنها لم ترك يوما تبكين لماذا؟ هل البكاء تعتبرينه ضعف؟
- لا ليس ضعفا بل بالعكس هو دليل على قوة تحملك، إنما أنا امرأة لا تُري الناس دموعها ولا تُري كسرها إلا لخالقها.
- أيتها العجوز إن الفضول يقتلني ويقطعني إربا إربا حتى أعرف ما هو أكثر شيء آلمك وحطمك في الحياة؟
- فلتعلمي عزيزتي أن أكثر شيء يحطمك في الحياة هو أكثر شيء يجعل منك جبلا شامخا تهابه باقي الجبال ويجعلك تقفين أمام الرياح العاتية. وأنا أكثر شيء جعلني قوية هو استشهاد أبنائي الأربعة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
- ألا تعتقدين أنه سيحين يوم وتنهزمين فيه لأنه طال الزمن على وقوفك كالجبل؟
- من توكل على الله كفاه.
- حسنا لن أطيل عليك أكثر، بقي سؤال واحد أوصتني أمي أن أسألك إياه سيكون مسك حديثنا، وهو: ماذا تعلمت من الحياة في عشر كلمات؟
- تعلمت أن أعيش بروح طفلة، وعقل امرأة بالغة، وأمل يوكابد.
يوكابد: يوكابد بنت لاوي الملقبة بـ (المتوكلة) هي والدة النبي موسى وهارون.
الأديبة المغربية / سهام محجوبي تكتب نصًا تحت عنوان "أيتها العجوز الفلسطينية"
Post A Comment: