فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "عِبَادَةِ اللهِ وَتَوْحِيدِهِ"
إِنَّ أَوَّلَ أَمْرٍ فِي كِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ أَنْ يَعْبُدُوهُ .
فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ أَوَّلَ أَمْرٍ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ .
فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
[البقرة: 21-22]
فَهَذَا الْأَمْرُ الْإِلَهِيُّ الْعَظِيمُ هُوَ أَوَّلُ أَمْرٍ فِي كِتَابِ اللهِ الْكَرِيمِ وَقَدْ أَمَرَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِمَا خَلَقَهُمْ لَهُ ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ خَلَقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ .
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
[الذاريات: 56]
وَأَمَرَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَوَّلَ مَا أَمَرَهُمْ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَهُمْ وَهُوَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .
#وَدِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظَيمِ يَقُومُ عَلَى أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ وَأَسَاسَيْنِ مَتِينَيْنِ وَهُمَا :
#أَلَّا يُعْبَدَ إِلَّا اللهُ
#وَأَلَّا يُعْبَدَ اللهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ
فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ خَلَقَ الْخَلْقَ لِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَلَا تَكُونُ الْعِبَادَةُ عِبَادَةً حَتَّى يَأْتِيَ فِيهَا الْآتِي خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ .
وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَفَتَ أَنْظَارَ الْخَلْقِ إِلَى مَا بَثَّهُ فِي تَضَاعِيفِ الْكَوْنِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ وَالَّتِي تُؤَدِّي إِلَى وُجُوبِ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِفْرَادِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ .
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ذَلِكَ مَرْكُوزًا فِي طَبَائِعِ الْبَشَرِ ، لَا يَحِيدُ عَنْهُ إِلَّا مَنْ أَصَابَ فِطْرَتَهُ اعْوِجَاجٍ أَوِ الْتِوَاءٍ .
فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ .
كَمَا أَخْبَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ النَّبِيُّ ﷺ وَالَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ .
فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَفَتَ الْأَنْظَارَ إِلَى مَا بَثَّ فِي تَضَاعِيفِ الْكَوْنِ مِنَ الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ وَالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَاتِ .
وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
[البقرة: 21-22]
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ كُلَّهُ :
الَّذِي مَهَّدَ الْأَرْضَ وَرَفَعَ السَّمَاءَ وَأَنْزَلَ مِنْهَا الْغَيْثَ
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَا تَتَفَكَّهُونَ بِهِ وَمِنَ الْأَقْوَاتِ مَا تَقْتَاتُونَ وَتَحْيَوْنَ بِهِ ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي صَنَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ هُوَ الْمُسْتَوْجِبُ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ .
فَنَهَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنِ التَّنْدِيدِ فقال
{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا}
أَيْ : نُظَرَاءَ وَشُرَكَاءَ .
فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَصْحَابِ الْعُقُولِ ؛ فَضْلًا عَنْ أَصْحَابِ الْفِطَرِ السَّوِيَّةِ وَالْقُلُوبِ الْمُسْتَقِيمَةِ النَّقِيَّةِ
{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
أَنَّهُ لَا نِدَّ للهِ وَلَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ وَحْدَهُ وَبِالرِّزْقِ وَحْدَهُ ، وَبِالتَّدْبِيرِ وَحْدَهُ ؛ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ شَيْءٌ مِنَ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ وَجْهِهِ ، فَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِعِبَادَتِهِ وَبِالْإِخْلَاصِ لَهُ فِيهَا وَحْدَهُ ، وَنَهَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنِ اتِّخَاذِ الشُّرَكَاءِ وَعَنِ التَّنْدِيدِ .
#وَدِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ وَهُوَ دِينُ جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ؛ فَكُلُّهُمْ قَالُوا لِأَقْوَامِهِمْ :
{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ}
[هود: 84].
فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَمَا وَحَّدَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ ، وَلَا بُدَّ مِنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ جَمِيعًا .
وَهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ :
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
فَهِيَ نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ ؛ نَفْيٌ لِجَمِيعِ الْآلِهَةِ الْمَعْبُودَةِ مِنْ دُونِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلَا يَصِحُّ التَّوْحِيدُ إِلَّا بِذَلِكَ
{فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا}
[البقرة: 256]
فَلَا بُدَّ مِنَ الْكُفْرِ بِكُلِّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَهَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّفْيُ فِي الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَهِيَ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ وَهِيَ خَيْرُ الْكَلَامِ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو :
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :
خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي :
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
فَالنَّفْيُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ لَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْإِثْبَاتِ أَيْضًا وَهَذَا هُوَ دِينُ مُحَمَّدٍ ﷺ .
#نَهَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي آيَاتِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ وَالشُّرَكَاءِ وَالنُّظَرَاءِ وَعَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ،
وَهَذَا أَوَّلُ أَمْرٍ فِي كِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
لَا أَمْرَ فِي الْكِتَابِ قَبْلَهُ {اعْبُدُوا اللهَ} هَذَا أَوَّلُ أَمْرٍ فِي كِتَابِ اللهِ ، فَأَمَرَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِمَا خَلَقَهُمْ لِأَجْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ ، فَأَمَرَهُمْ بِتَحْقِيقِ الْوَظِيفَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا خَلَقَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَسَوَّاهُمْ وَأَنْشَاهُمْ .
سَوَّاهُمْ وَأَنْشَاهُمْ وَبَرَءَهُمْ لِأَجْلِهَا.
▪️مِنْ مَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ
النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ الْحَجَّةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي حَجَّهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَتَى بِمَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ ظَاهِرَةً مِنْ أَوَّلِ لَحْظَةٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِشَوَاهِدِهِ :
اللهم حَجَّةً لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ .
لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِفْرَادِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ وَلَا بُدَّ مِنَ الْإِخْلَاصِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي ذَلِكَ ؛ وَإِلَّا فَإِنَّ الْعَمَلَ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ .
وَالنَّبِيُّ ﷺ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي وَصْفِ سِيَاقِ حَجَّةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ :
فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ :
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لَا شَرِيكَ لَكَ .
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ وَيَصْرِفُونَ أَلْوَانًا مِنَ الْعِبَادَةِ لِسِوَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَكَانَتْ لَهُمْ تَلْبِيَةٌ وَطَوَافٌ وَحَجٌّ وَعُمْرَةٌ وَكَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ وَنَذْرٌ وَحَلِفٌ وَكَانَتْ لَهُمْ عِبَادَاتٌ ؛ وَلَكِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ فِي الْعِبَادَاتِ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا يَقْبَلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا قَطُّ لِأَنَّ :
اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا وَأُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ .
لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا :
إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا .
وَلَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا طَيِّبًا وَأُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ يُلَبُّونَ ، فَلَهُمْ طَوَافٌ وَتَلْبِيَةٌ ، وَلَهُمْ وُقُوفٌ وَلَهُمْ إِفَاضَةٌ ، وَلَهُمْ نَحْرٌ وَذَبْحٌ وَمَا أَشْبَهَ مِنْ أَلْوَانِ الْعِبَادَاتِ .
وَلَكِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ مَعَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ غَيْرَهُ ويقولون :
لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ ، مَلَكْتَهُ وَمَا مَلَكَ .
فَهَؤُلَاءِ يُلَبُّونَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَيُثْبِتُونَ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الشَّرِيكَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ .
لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ ، مَلَكْتَهُ وَمَا مَلَكَ .
فَكَانَتْ هَذِهِ تَلْبِيَتَهُمْ يَأْتُونَ بِهَا فِي حَجِّهِمْ وَيَأْتُونَ بِهَا فِي عُمْرَتِهِمْ وَيُشْرِكُونَ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ غَيْرَهُ .
#النَّبِيُّ ﷺ مِنْ مَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ فِي حَجَّتِهِ :
أَنَّهُ أَتَى بِالْإِهْلَالِ بِالتَّوْحِيدِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ :
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لَا شَرِيكَ لَكَ .
وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ صَلَّى عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ رَكْعَتَيْنِ ، وَأَتَى فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِسُورَتَيِ الْإِخْلَاصِ
و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
وَهُمَا سُورَتَا الْإِخْلَاصِ ، فِي السُّورَةِ الْأُولَى بَرَاءَةٌ مِنَ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ وَمِنَ الشِّرْكِ وَحِزْبِهِ ، وَفِي السُّورَةِ الثَّانِيَةِ صِفَةُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهِيَ سُورَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِتَوْحِيدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَالصَّحَابِيُّ الَّذِي أَحَبَّهَا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَصْدًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحُبًّا لَهُ ؛ بَشَّرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ لِحُبِّهِ إِيَّاهَا .
فَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ يَأْتِي بِسُورَتَيِ الْإِخْلَاصِ .
وَالرَّسُولُ ﷺ كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ ، فَوَحَّدَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَكَبَّرَهُ .
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .
يُوَحِّدُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَيُكَبِّرُهُ .
ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، فَإِذَا صَعِدَ الْمَرْوَةَ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ ، فَوَحَّدَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَكَبَّرَهُ .
لِأَنَّ هَذَا الدِّينَ الْعَظِيمَ فِيهِ الرَّابِطَةُ الْعُظْمَى الَّتِي تَرْبِطُ الْمُسْلِمِينَ وهِيَ رَابِطَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .
لِأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ فِي الْحَجِّ حَتَّى يَكُونُوا عَلَى هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ ظَاهِرًا بِمَلَابِسِ الْإِحْرَامِ وَلَهُمْ شِعَارٌ وَاحِدٌ بِتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ :
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ
وَيَجْمَعُهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ، فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ ، يُوَحِّدُهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ زَمَانًا وَمَكَانًا وَهَيْئَةً وَتَلْبِيَةً ؛ فَرَبُّهُمْ وَاحِدٌ ، وَقِبْلَتُهُمْ وَاحِدَةٌ ، وَرَسُولُهُمْ وَاحِدٌ ﷺ ، وَتَلْبِيَتُهُمْ وَشِعَارُهُمْ فِي الْحَجِّ وَاحِدٌ :
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ
وَهُمْ إِنَّمَا يَتَحَرَّكُونَ مَعًا ، فَلَا يُغَادِرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ يَبِيتُونَ جَمِيعًا بِـمُزْدَلِفَةَ ، فَيَجْمَعُهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هَذَا الْجَمْعَ كُلَّهُ .
كُلُّ ذَلِكَ لِأَجْلِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .
فَالْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا إِنَّمَا يَذْهَبُونَ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ حُجَّاجًا وَمُعْتَمِرِينَ تُخْرِجُهُمْ :
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
لِأَنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ اللهَ ، يَعْبُدُونَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
وَحْدَهُ فَلَوْ عَلِمُوا هَذَا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ لَاسْتَقَامَتْ أَحْوَالُهُمْ ، وَلَأَصْلَحَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ شَأْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا يَقْبَلُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ .
لَقَدْ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي النَّبِيِّ الْأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ ، فَنَبِيُّنَا ﷺ يَأْتِي بِمَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ ظَاهِرَةً جَلِيَّةً فِي حَجَّتِهِ ، وَيَأْمُرُ الْمُسْلِمِينَ بِالِاقْتِدَاءِ وَالِائْتِسَاءِ بِهِ :
خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ
#فَهُمَا أَمْرَانِ لَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا :
لَا بُدَّ مِنْ تَوْحِيدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَاتِّبَاعِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ .
لَا بُدَّ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَالْمُتَابَعَةِ وَالنَّبِيُّ ﷺ نَفْسُهُ مَأْمُورٌ بِالْمُتَابَعَةِ :
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}
[الجاثية: 18-19]
#فَالرَّسُولُ ﷺ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الْوَحْيِ الْمَعْصُومِ الَّذِي أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيْهِ ، مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ :
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}.
وَهُمَا أَمْرَانِ :
إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ مُتَّبِعًا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَا هَوًى ؛ فَلْيَنْظُرِ كل امْرُؤٌ فِي نَفْسِهِ ؛ حَتَّى يَعْرِفَ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}.
وَالنَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ :
خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ
وَكَانَ يَبْدُو ظَاهِرًا ﷺ
يَأْمُرُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، فَيَمْتَثِلُ لِأَمْرِ اللهِ وَهُوَ خَلِيلُ اللهِ ، وَهُوَ رَسُولُ اللهِ ، وَهُوَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ .
Post A Comment: