الكاتب الصحافي المغربي / عثمان ناجي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "وفاة"
راودت الفكرة دماغه بشدة.بعد بضعة أيام لم يعد يقوى على المقاومة،فاستسلم أخيرا للرغبة الملحة، والبطوليةنوعا ما، التي تسكنه منذ مدة .
هكذا تصور الأمور في حينها، عليه أن يثبت صدق ما يقول ،وما يعيش أيضا.
عليه الآن أن يجد شريكا لينفذ جريمته المرتقبة والمؤلمة.
-صباح الخير، أريد بعض المعلومات....
تلقفه الصوت بسرعة فائقة وببراعة بائع متجول.
شرح له سهولة الأمر ،وامكانية تنفيذه دون أي عراقيل تذكر.
-انتظرك مساء،لا تتأخر.
-سأكون في الموعد سيدي.
أنهى المكالمة ورأسه قد فارق الجسد ليحلق داخل أحلام وردية ،او ما شاء القدر من ألوان،كلها عناق وقبل وهمس لاينتهي.
الحب لا يستحمل التأخير ،ولا الانتظار.
إن كان لا بد من عربون،فليكن مذهلا وأبديا.
تردد صدى محادثاته الكثيرة مع الموعودة.
"لن نفترق..."
"لا شيء يشغلني عنك أنت ...."
أنت، أنت، أنت...
يسود داخل المتجر جو غرائبي،من كل حائط تتدلى صور تؤرخ لانجازات المالك.
تنين أحمر و أصفر ينفث النار .
جماجم سوداء مرعبة وتحتها سيوف وسكاكين.
حمام يحلق في سماء قرمزية.
أسماء شخصية مؤنثة مكتوبة بحروف مختلفة.
ثعابين وأفاعي.
النوافذ المغلقة والتهوية الناقصة ضاعفت من شعور الغثيان والرهبة.
تردد لحظة،قبل أن تطل عليه من داخل ذاكرته ابتسامة عريضة وغنج لا ينتهي لمحبوبته.
استعرضت ذاكرة القلب نبضات قوية واحساس متفرد عند كل لقاء.
استجمع كل ما خزن من شجاعة خلال سنوات عمره التي تعادل عقدين وأكثر قليلا،وأعلن بنبرة متذبذبة وكأنما يعلن الحرب.
-مساء الخير، أنا جاهز.
استضافه صاحب المحل فوق كرسي وثير يشبه كراسي عيادات الأسنان،ثم وجه مسلاطا قويا على ذراعه الغضة.
-وفاء...
-فقط؟
-نعم،وفاء فقط...
حرف الواو كان أصعب الحروف.
جرب الإبرة وهي تشق جلده وتغرس بداية وفاء غرسا فوق جسده الفاني ،و إلى الأبد.
توالت الحروف والوخز والألم واللهفة.
بعد قليل،سيلتقط صورة للوشم ويرسلها لها،ستعرف أن لامكان لها إلا هنا،فوق ذراعه وداخل كيانه.
رن هاتفه عند الألف.
-استرح قليلا ،رد على المكالمة قبل أن ننهي العمل.
استل الهاتف من جيبه،وانتشى بأسمها الذي أضاء الشاشة.
- آسفة حبيبي،هذه آخر مرة استعمل هذا الرقم،انا مخطوبة منذ البارحة ...حظ سعيد يا الطف الناس.
و أغباهم أيضا.
استفاق من حلم طويل تحول إلى كابوس،فكر بسرعة و بخيبة أمل عميقة صنعت منه للتو رجلا شريرا.
-من فضلك سيدي،غير الحرف الأخير تاء مربوطة، فقد وجدت وفاء الهمزة عند رجل آخر...
ابتسم بهدوء محكوم بالاعدام واسترخى على الكرسي المقصلة.
الكاتب الصحافي المغربي / عثمان ناجي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "وفاة"
Post A Comment: