الكاتب المغربي / عبد الله البقالي يكتب :نأسف لتوجهك الأدبي 


الكاتب المغربي / عبد الله البقالي يكتب :نأسف لتوجهك الأدبي



رن جرس الهاتف ، وسمعت صديقا لي من الجهة الاخرى يطلب مني أن أقصده فورا حيث هو لأمر هام . فوجدت نفسي مضطرا لتأجيل برنامجي الذي كنت قد اعددته سلفا .وجدت ذلك الصديق في احدى المقاهي المتاخمة للمدينة العتيقة ، يتابع أسراب السياح التي كانت تنزل من حافلات رفيعة . وتنطلق في مزيج من فوضى وانتظام لزيارة المدينة العتيقة .

بعد حديث عادي جدا ، أخرج صديقي ورقة من جيبه ضمت مجمل نتائج ابنته الدراسية .كان أول شئ حاولت التعرف عليه هو المعدل العام ، وقد وجدته ممتازا . ثم قرار نهاية السنة الدراسية . وحين هممت بالتعليق ، بادرني صديقي قائلا : ما أود أن تطلع عليه هو تعليق أستاذة العلوم الطبيعية .كان معدل هذه المادة مثيرا فعلا . وقبالته في الخانة المقابلة قرأت ملاحظة الأستاذة : نأسف لتوجهك الادبي .

تبادلنا النظرات صامتين . ثم في صمت أطول أحال كل واحد منا نفسه على مراجعه الخاصة . لم أشك أن صديقي قد تلقى ما يشبه صفعة قوية زلزلت أرضية سميكة بنى عليها لسنوات طويلة مفاخره المتمثلة في مستواه الأدبي الرفيع الذي شكل له دوما مصدر مباهاة .. ولشواهده الأدبية يوم كانت تلك الشواهد تبيح لحاملها أحقية ومشروعية التفاخر .

تذكرت أنا أول موضوع كتبته حين التحقت بالشعبة الأدبية . حيث كان أستاذ قد اقترح علينا موضوعا طريفا نوعا ما . وقد طلب منا أن نتعامل معه بكل موضوعية . وقد تمثل الموضوع في ادراة حوار مع صديق كان قد توجه إلى شعبة علمية . وقد حاول كل واحد أن ينتصر لشعبته .أذكر أني في بداية ذلك الموضوع وضعت صديقي في موقع الهجوم تاركا له المبادرة . في حين ركنت أنا للدفاع داخل زاوية حادة شديدة الضيق .صديقي في هجومه صور الأدب و الأدباء كطفيليين يقتاتون مما ينتجه الآخرون . و أن لا شئ لهم يمكن أن يضيفوه ليطوروا الواقع و الحياة . ومن ثم يتساءل هو ويطلب مقارنة بين ما انتجه باستور من خلال اكتشافه العظيم .

 و بين ما قدمه ابن المقفع أو غيره . ومن جهة أخرى يوضح صديقي ما إن كانت جدالات الأدباء وخلافاتهم حول تضارب تحديد قصد ما من بيت شعري أو قولة ، يمكن أن تضيف شيئا للحياة سواء كان الحق مع هذا أو ذاك .

في ردي على مؤاخذات و اتهامات صديقي ، أوضحت أن الأدب يكون فاعلا حيث لا ينفع المجهر و لا العقاقير ، و لا المواد الكيماوية و غيرها مما ينتجه العلميون . و أن الأدب يكون منتجا حيث لا تنفع تشخيصات الطبيب و لا وصفات الصيدلي و لا تصاميم المهندسين .إن الرقي بالفكر و تحرير الإنسان من كل أشكال الاضطهاد و تخقيق العدالة ونقل البشر من حالة التوحش الى التحضر هي بلا منازع مسؤولية الأدب و الأدباء . فلا يجوز حتى على سبيل الخيال أن نتوهم عالما ليس فيه مسرحا ولا سينما و لا مكتبات و لا غناء و لا طرب .

اتفقنا في الأخير على أن العلم و الأدب يقومان مقام الحواس بالنسبة للجسم . فلا البصر يغني عن السمع . و لا الذوق يغني عن الشم . ولا حاسة يمكن أن تقوم بدور الاخرى .

بالعودة إلى الموضوع الرئيس أتساءل ما إن كان قد انتهى دور الأدب لحد يصير من يهتم به لا بد و أن يكون متخلفا دراسيا . و أن الإنسان المتفوق له مكان وحيد هو الانشغال بما هو علمي .بكل تأكيد ملاحظة أو ارتسام الأستاذة كما سجلته في ملاحظتها يفيد ذلك . لكن بكل تأكيد أيضا أن تصرف تلك التلميذة قد بعثر هذه البديهية غير السليمة التي تسكن منطق الأستاذة .




الكاتب المغربي / عبد الله البقالي يكتب :نأسف لتوجهك الأدبي 


Share To: