السرد القصصي، في القرآن الكريم،
مصدر إلهام، للشاعرة الكويتية الدكتورة / ندى الرفاعي .
في ديوان( الأنبياء)
- قراءة نقدية /هشام شوقي - مصر.
- ديوان الأنبياء، أو قصص الأنبياء، للدكتورة /ندى الرفاعي ، هو ديوان يستلهم روافده الفكرية، من الثقافة الإسلامية الأصيلة ،من القرآن الكريم ،والسنة النبوية الشريفة ، وقد شقت الشاعرة على نفسها ، بهذا الإبداع المتميز والفريد ، والرائد في ميدان الشعر العربي بنظمها قصص الأنبياء شعرا ، وصعوبة هذه التجربة، تكمن في مضمونها، فالشاعرة اختارت قصص الأنبياء، لتكون ميداناً ، فكرياً لديوانها الشعري، وهي دائرة مقيدة، بالجانب المعرفي الوارد، عن قصص الأنبياء، في القرآن الكريم ،والسنة النبوية ، ولن يكون هناك اجتهاد، للشاعرة في شيء ،من القصص القرآني، عن الأنبياء ، ولم تشغل الشاعرة نفسها، بفكرة توظيف قصص الأنبياء، في الأمور السياسية، والإجتماعية، والوطنية، المعاصرة ،كما فعل بعض الشعراء ، من أجل إسقاطات شعرية على الواقع، مثل الشاعر/ بدر شاكر السياب في قصيدته عن سيدنا (أيوب ) عليه السلام. وللشاعرة أسبابها الخاصة ،في ذلك، وقد حافظت الشاعرة على قداسة سيرة الأنبياء، وتناولتها ناظمة للقصص القرآني في شكله المثالي والمقدس ، وتهدف الشاعرة من وراء الديوان ،إلى الإحتفاظ بالأهداف العليا، لقصص الأنبياء، من أخذ الحكمة، والعبرة ،والعظة، من انتصار الحق، على الباطل ، وأن القرآن كتاب الله المعجز من عند الله ، وفيها تثبيت للنبي محمد ،والشد من أزره في الشدائد ، و الصعوبات ، التي، واجهته ،في نشر الإسلام ، وطمأنينة الرسول من الله، بأن الله لا يخذل أنبياءه، بل ينصرهم ، وفيها بيان، لقدرة وكمال الخالق، سبحانه ،وتعالى وأن إرادته فوق كل إراده ،وأمره نافذ لا راد له ، سبحانه وتعالى ، وفيها بيان الصبر على البلاء .
- وينقسم الديوان إلى استهلال بقصيدة { " هو الله رب العالمين ، جلَّ جلاله " وقصيدة " معلم الأنبياء جبريل عليه السلام " } وهو الجزء الأول من الديوان ثم الجزء الثاني وبه قصص الأنبياء ويشتمل على قصائد { آدم عليه السلام ، نوح عليه السلام ، هود عليه السلام ، صالح عليه السلام ، إبراهيم عليه السلام ، لوط عليه السلام ، إسماعيل عليه السلام ، يعقوب عليه السلام ، يوسف عليه السلام ، أيوب عليه السلام ، يونس عليه السلام ، شعيب عليه السلام ، موسى عليه السلام ، داوود عليه السلام ، سليمان عليه السلام ، زكريا ويحيى عليهما السلام ، عيسى عليه السلام ، محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
- والقسم الثالث فيه قصائد عن { آباء و أمهات الأنبياء } { سيدتنا هاجر ، سيدتنا مريم ، سيدنا عبدالله بن عبد المطلب ، سيدتنا آمنة } .
وقد أضافت الشاعرة في الأعمال الكاملة القسم الرابع للديوان ( الخلفاء الراشدون ـ نسائم الرضوان ) .
أولاً : الاستهلال
تحليل قصيدة " هو اللهُ ربُّ العالمين " ص11 من ديوان الأنبياء كل ما خطر ببالك اللهُ غير ذلك ، فما هي الرؤية الشعرية ،التي تريد أن تطرحها الشاعرة الدكتورة / ندى الرفاعي ، لتقربنا إلى الله بها،؟ وما مرجعـيتها،؟ وما الأسـلوبية الشعـرية،؟ التي طرحتها،؟ وعـالجـت بها القصيدة .؟
- أوجزت الشاعرة في استهلال قصيدتها بتقدير أن الملك والملكوت للرحمن فما الفرق بين (الملك) و (الملكوت) ؟
(المُلك : كل ما في الكون ملك لله والملكوت هو عالم الغيب، وعالم الأمر
والملكوت : هو عزُّ الله وسلطانه، وعالم الغيب، المختص بالأروح والنفوس، والعجائب .
تقول الشاعرة /ندى الرفاعي
الملك للرحمن و الملكوت والأنبيا من خلقه الياقوت.
ـ لمَّا قضى ربُّ الأنام مشيئة و أتى بسنة أمره اللاهوت
ـ سجد الملائكة الكرامُ لخلقهِ فأبى السجود مكابر طاغوت
وفي البيت الثاني " لما قضي ربُّ الأنام " قضي رب الأنام أي قدَّر صُنعَهُ وأكملهُ " وأتى بسنة أمره اللاهوت ".
اللاهوت : عند اليونانيين هي كلمة يونانية تعني دراسة الله ،وهو فن لديهم حيث، يرغبون في معرفة ذات الله بشكل أفضل، وأعمق وقد قام العلماء باستغلال اللاهوت الفلسفي في تحليل النفس البشرية وفي فهم الديانة المسيحية عند الغرب .
-وتوظيف الشاعرة الدكتورة / ندى الرفاعي لكلمة " اللاهوت " يهدف إلي طرح القضية الإيمانية بكل أبعادها كما أن كلمة " اللاهوت " وكلمة " الناسوت " قامت الشاعرة بتوظيفهما في النص الشعري وهما ليستا عربيتين مما استدعى المعجم اليوناني والمعجم المسيحي مع المعجم القرآني وهذا يدل على سعة ثقافية الشاعرة وتبحرها في المسائل الدينية والأديان المقارنة و قيامها بتوظيف ما يخدم النص و فكرته .
- كما أن الشاعرة في النص تشير إلى قصة عصيان إبليس السجود، لآدم في الجنة، و طرده منها، وهو كان طاووس الملائكة، و تشير الشاعرة ،إلى قصة استخلاف الله لآدم في الأرض ونزوله من الجنة تقول الشاعرة الدكتورة / ندى الرفاعي
- سجد الملائكة الكرام لخلقه، فأبى السجود، مكابر طاغوتُ،
من بعدُ أُنزل آدمُ ، لخلافةٍ لا يعتريها، الظلم و الجبروتُ، لكنَّ بعض الخلق ضلَّ مسارهُ ، ظنَّاً بأنَّ إلههُ منحوتُ .
-ومرجعية الشاعرة مرجعية قرآنية مستلهمة من قوله تعالي { وإذ قلنا للملائكةِ اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أَبَى واستكبر وكان من الكافرين } سورة البقرة الآية(34 ) . وقال تعالى { قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقتهُ من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين } الأعراف الآيتان. 12 / 13 والسجود الذي طلبه اللهُ من إبليس لآدم ، ليس سجود عبادة وإنما سجود طاعة، وقد عصى إبليس طاعة ربّه مستكبرا ومعللاً ذلك ، بأن آدم مخلوق من طين وأنه مخلوق من نار ،وأن النار أفضل من الطين، فاستحق لعنة الله، وطرده من الجنة وخلوده في جهنم ،حين تقوم الساعة، وقصة عصيان، إبليس السجود، لآدم، نزلت في مواقع كثيرة من السور .
- وتشير الشاعرة الدكتورة / ندى الرفاعي ، إلى نزول آدم من الجنة ، لكي يكون خليفة الله في الأرض .
وخلق الله آدم لإعمار الأرض وإقامة عبادة الله عليها وليس في ذلك ظلم، وجبروت من الله ، فالله خلق آدم ، لهذه الغاية، وجعل لديه، وذريته قدرة الإختيار، والتمييز بين الخير والشر ، وقد أمد الله آدم وذريته ،بالعقل للتمييز ، وبالأنبياء مرشدين، ومعلمين ، ووعد لله، من تكثر أعماله ،الحسنة عن سيئاته بالجنة ، ووعد من تغلب سيئاته، علي حسناته، بالنار ،و تشير الشاعرة الدكتورة / ندى الرفاعي ، إلى عصيان ،بعض الخلق ،و عبادتهم للأوثان ، وفي السرد الشعري تتناول الشاعرة الأقوام البائدة، الذين عصوا أنبياءهم ،وحلت عليهم لعنة الله، وعقَابه وعن طغيان بني إسرائيل، وعن قصة جالوت، وطالوت ،والبشارة ، بالرسول محمد صلى الله عليه ،وآله ،وسلم ،ونلاحظ ، أن القصيدة عنوانها " الله رب العالمين جل جلاله " لم تخض الشاعرة في وصف أسماء الله الحسنى ، أو صفاته، أو إبداعه في الكون .
-اللغة الشعرية في النص، تمثل فيها اللغة القرآنية البطل ، كما كانت البطولة في الأفكار، لسيطرة النص الديني المقدس ، على كل أفكار القصيدة، فنجد الألفاظ القرآنية :
{ المُلُك /للرحمن / الملكوت / الأنبياء / ربُّ الأنام / مشيئة / سُنَّة / سجد / الملائكة الكرام / أبى السجود / آدم / خلافة / الظلم / الجبروت / إلههُ / عبادة خلق/ هاروت / اللهُ /بنو إسرائيل / الإله / التابوت / اهبطوا / ذُلُّ / مسكنة / أحيا الله / أسباطهم / المليك / طالوت / جالوت / قال الإله / آية / أن يأتيكم التابوت / صوت / صلي عليه/ الله / أحمد / محمد / النبي / والآل / والصحب / تبوأوا / الكافر}
-المعجم اللغوي قرآني ،تم توظيفه، في النص الشعري بدرجة امتياز ، وجاء هذا المعجم اللفظي من القرآن الكريم ،بدلالات قرآنية عظيمة، وقصص ،و أحداث تتجلى فيها عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، في كل شيء .
ـ المشاعر و الأحاسيس في النص سيطرت على الشاعرة، المشاعر الدينية، من محبة شديدة، لله، ولكتابه العظيم القرآن ، ومحبة للأنبياء، وللصالحين ،كما سيطرت على الشاعرة مشاعر التقديس، والتعظيم لكتاب الله تعالى القرآن .
ـ أسلوبية الجملة الشعرية إعتمدت الشاعرة على أسلوب السرد الشعري ليتواءم مع الأحداث القرآنية، لذا قلت الصور البلاغية، من تشبيهات وإستعارات وكنايات .
ـ الموسيقى في النص ، سيطرت عليها الموسيقى الداخلية بين الكلمات متقاربة مخارج الحروف كما ظهر الجناس الناقص بين الكلمات مثل { طالوت / جالوت } { لاهوت / ناسوت } كما كان التضاد بين بعض الكلمات محدثاً للجرس الموسيقي، كذلك وحدة القافية، فقد جاءت القافية على التاء المضمومة وهي قافية مطلقة غير مقيدة وهي تاء مفتوحة من أصل بنية الكلمة تختلف عن تاء التأنيث وتاء الفاعل والتاء المربوطة ، والطاء والدال والتاء حروف تشترك في بعض الصفات الصوتية ، والتاء حرف مهموس شديد، ومخرجه طرف اللسان و أصول الثنايا العُليا، و الطاء والدال والتاء حروف تخرج من جهاز النطق من مكان واحد .
- و قصيدة الشاعرة الدكتورة / ندى الرفاعي قصيدة تائية لأن حرف الروي فيها هو حرف التاء .
- موسيقي العروض الشعري في النص ، جاءت القصيدة على بحر الكامل" متفاعل" في صورته التامة ،أي ثلاث تفعيلات في كل شطر شعري، والتفعيلة الأخيرة ( مُتْفَاعِلْ) وفيها من الزحافات الإضمار ،أي تسكين الحرف الثاني المتحرك وفيها( قطع) والقطع في علم العروض هو حذف الحرف السابع وتسكين الحرف السادس الذي قبله فتصير متفاعلن إلى متفاعلْ " .
- قصيدة " مُعَلّمُ الأنبياء جبريلُ عليه السلام " ص 13 تُصَدرُ الشاعرة الأستاذة / ندى الرفاعي ، القصيدة بقول اللهِ تعالى { نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين } الآيات 193/194/195 من سورة الشعراء والتصدير بالقرآن أو التذييل بالقرآن في هوامش النصوص إشارة من الشاعرة إلى المرجعية القرآنية للنص الأدبي في هذه الجزئية أو تلك ،وهي إشارات جداً قليلة إذا ربطنا العمل الأدبي نفسه ،بها خرج مظلوماً لأنه بتحليل النصوص الشعرية للشاعرة تتوالد من البنية الشعرية دلالات وإشارات إلى، الآيات القرآنية تفوق التي ذكرتها الشاعرة في التصدير أو التذييل عشرات المرات والعمدة في المعنى وعمود السارية في أفكار ديوان الأنبياء هو النص القرآني العظيم ، في الأبيات الثلاثة الأولى من النص تبين الشاعرة مهمة جبريل وهي نقل أمانة القرآن من السماء إلى النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم وتشير إلى أجنحة هذا الملاك العظيمة التي تكاد تسد الأفق إلىا أن نزل للرسول محمد صلى الله عليه و آله وسلم أول مرة في الغار وهو يتعبد بأوئل سورة العلق { اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الأنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم ... } سورة العلق من 1 ـ 19
وقد استخدمت الشاعرة في الأبيات الثلاثة الأولي الإجمال والتفصيل معاً فقالت في الإجمال " جبريل جاء بحكم التنزيل " ثم استخدمت أسلوب التفصيل بعد ذلك في مواطن كثيرة من النص مثل :
" في الغار قال اقرأ ببدء نزول "
" ولقد رآه عند سدرة منتهي "
" هم قوم لوط أهلكوا بوبيل "
" ومبشراً عيسى بمقدم أحمد "
" يهديك ربُّكَ ذو الجلال سلامهُ "
وتشير الشاعرة إلى فترة انقطاع الوحي ، عن النبي، بعد نزول جبريل عليه في غار حراء بقولها : ـ وتأخر الملك الكريم لفترة ،واشتاق قلب نبينا الموصول، واختلف علماء السيرة ،في فترة انقطاع جبريل عليه السلام، عن النبي بعد نزوله في الغار في اللقاء الأول في غار حراء فبعضهم قال: كانت أياماً وبعضهم قال: كانت ستة أشهر وقيل :إنها كانت سنة وقيل: إن الأقرب للصواب هو رأي سيدنا عبدالله بن عباس الذي قال إن مدة انقطاع الوحي كانت أربعين يوماً ومما ورد في الصحيحين البخاري ومسلم حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن فترة انقطاع الوحي و عودته قال { بينما أنا أمشي إذ سمعتُ صوتاً من السماء ، فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس علي كرسي بين السماء والأرض فرعبتُ منهُ فرجعتُ فقلتُ " زَملوني زَملوني " فأنزل الله تعالي " يا أيها المدثر .
Post A Comment: