الأديب المغربي : سعيد بوخليط يكتب مقالًا تحت عنوان "وصفات السعادة"
غاية جميع الناس المطلقة، حسب تقديري الشخصي، أن يكونوا سعداء. مامعنى الاتصاف بقيمة وجودية من هذا القبيل، أي التأكيد بعظمة لسانكَ بأنك سعيد؟إنها حقيقة دائمة الاختلاف؛شديدة التباين والتعدد والانسياب،مثلما يفترض بممكنات ماهيتها وليس كما يعتقدها الناس، ليس فقط حسب تجلياتها الفعلية لدى هذا الفرد أو ذاك، لكن أيضا بالنسبة للمفهوم وفق تحققه الآني، اللحظي ثم ضمن صيرورة الزمان.
السعادة مفهوم عميق للغاية، ممارسة ورش حياتي شديد الثراء، إحساس زئبقي جدا؛ أشبه بالقبض على خيوط السراب، وصفة متكاملة قابلة على الدوام للتعديل وليست بنودا جاهزة سلفا، ينعكس مفعول كنهها على حياة الفرد، نفسيا وذهنيا وجسديا، يبقى معيار التقييم بهذا الخصوص ذاتيا محضا ونسبيا خالصا، تختلف محدداته باختلاف سياقات النتائج المتحققة على أرض الواقع.بدوره، واقع تتعدد دلالاته حسب تباين فلسفات الأفراد ورؤاها للقائم والممكن.
السعادة حالة ملتبسة وملغزة ؛غير قابلة للشرح الموضوعي والتبرير اللغوي، يبعثها الفرد على طريقته من أعماق دواخله، و يحياها كما هي؛ متمتعا بنشوة إحساس غريب ملؤه الاكتمال والانسجام مع الذات والمحيط الكوني، بحيث يتقلص لحظتها نسيج العدم لصالح ماهيات الوجود.
لنترك جانبا، مستويات تبخيس لاإنسانية ونمطية بلغتها في عصرنا مداواة السعادة وعلاج الأشقياء بأساليب ديماغوجية قوامها تضليل المشاعر وكذا الاستسهال المائع والرخو، لأهداف سحرية/مالية سريعة المنال ذات حس تجاري وربحي، من الناحية الاقتصادية، يراهن أصحابها على الوهم والخداع، بدل الإبقاء على ثراء جوهر الفرد إنسانيا باعتباره محض حالة وجودية متداخلة خيوطها ذات أبعاد مركَّبة تركيبا دقيقا، لذلك يستحيل مقاربته بتصور أحادي المنحى. ينطلق ضمنيا، حسب هذا التصور التبسيطي الموغِل في الاختزال، من المحددات الثلاث التالية :
*الحياة قصة سعيدة بالإمكان، غايتها المطلقة تحقيق الفرد لسعادته عاجلا أم آجلا . تعني السعادة هنا، أنه استوعب أخيرا طبيعة ألغاز علاقته بالحياة.
*مصدر السعادة، فهم وإدراك الموقع الترتيبي لحدي التفاؤل والتشاؤم،حيث ارتبطت السعادة بسياق الأول، بينما يظل الشقاء عالقا بالبعد الثاني.
*معنى السعادة :إبداء الفرد دون توقف لشعور إيجابي نحو السائد؛ دون أقل إشارة سلبية.
أظنها ثوابت لاغنى عنها، فيما يتعلق بالمنطلقات المبدئية لجل خلاصات ملهمي الناس أوهام سعادة تأخذ وجهة واحدة وحسب وصفة مكتملة.بوسع الجميع أن ينهل من مَعِين ترياقها؛ ثم يغدو سعيدا بجرة قلم .
حين التشكيك في بداهات تلك الأطروحات، التي تعكس في نهاية المطاف مجالا خصبا لازهرار ينابيع سعادة مطلقة قياسا لوجود يتجلى خطيا دون فجوات، سيبرز فورا إلى حيز التداول تصور مغاير للسعادة باعتبار الأخيرة : وصفة فردية وليست جماعية. نسبية وليست مطلقة. متعددة وليست أحادية.
فأنا سعيد أو غير سعيد، لا أعلم سبب ذلك؟
لايمكنني الإفصاح لغويا وبالكلام معنى سعادتي مهما حاولت؟
لاعلاقة حتمية بين غاية الحياة أو النزوع النفسي نحو موجِّهات التفاؤل أو التشاؤم.
Post A Comment: