الكاتب السوداني : أحمد سليمان أبكر يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الحنين إلى الجذور"
انتصف الليل، شعشعت الأنوار في المنازل،خرج الناس إلى الشوارع وهم يتصايحون ويطلقون الألعاب النارية في الفضاء، ويهنئون بعضهم بعضا بمناسبة رأس السنة الجديدة، وجوههم سيماء البِشر والاستكفاء ومن بين دقائق لهاثهم تنبعث رائحة المآكل والمشارب، أما هو فجلس على شرفة المنزل يتأمل العراك المستعر في وسط المدينة، يشعر برعدة تتمشى في أعضائه،فما أمر مذاق إقتلاع النفس من أرضها، وما أثقل غرسها في اخرى، سلامٌ على الصبا في الريف وعهوده الزاهرة،أيام كان لا يحفل بنكباء ولا رمضاء، ولا يبالي أن يبكر في كل صباح تبكير الغربان إلى قمم الجبال وذوائب الأشجار، عاري الرأس حافي القدم،يمرح ويلعب ويتأثر طرائد الصيد في مسارحها وملاعبها. أما اليوم فلم يبقَ له من تلك الذكريات إلا وقوفه في هذه المدينة المائجة تحت أضوائها الصاخبة،ينسج من خيوطها المتناثرة كساءً يتقي به هذه الرعدة.
شعر بشيءٍ من الانقباض،أخذ يحدث نفسه قائلًا: لقد صرف معظم العمر في هذه المدينة، حتى كاد لا يعرف شيئًا عن قريته حيث السهول والزروع، لقد جرفه تيار المدنية الحديثة حتى نسي فلسفة الحياة الجميلة البسيطة المملوءة طهرًا ونقاء،تلك الحياة المشتبهة بالطبيعة في كل أدوارها، فإن كان أهل المدينة أكثر مالًا،أهل الريف أسعد نفوسًا، المدنيون يطيلون الأمل وهم يتنافسون أما الريفيون فقانعون وهم يتكافلون،المدنيون يشربون كأس الحياة ممزوجة بشيء من المملل، فأما الريفيون يرتشفونه صافيًا.
كلما خلى بنفسه يعقد مثل تلك المقارنات، غير أن النفس كالفضاء تبصر ولا تتكلم، وتسير ولكنها لا تلتفت.
***
Post A Comment: