الكاتبة السودانية / إسلام بريمة تكتب نصًا تحت عنوان "أحرف زرقاء"
= دائمًا ما يُخالِجنْي شُعور بالوِحدة في غيابك، لا أستطيع تحملْ أن أكون في مكان لا تنتمي إليه ... عدا النيل، فهو وحدهُ ما يؤنِس وِحدتِي، لأنني أدُرِكُ تمامًا مدى حُبك لهُ، هل تذكر لحظاتنا الأولى على ضفافِه؟
- أتَهزئين بي؟! كيف أنسى صرخة ميلاد حُبنا الأولى! كُنتِ على بُعد بضعة أمتار مني، لم أكُن وحدي ولَكنك كنتِ، اقتربتُ لأتأكد إن كنتِ فتاة أحلامي أم حُورية بثوبٍ أزرق أخذ بريقُه من تلِك الأمواج الصاخِبة! خُطواتي نَحوك كلها تَرقُب، يَزداد نبضي كُلّما اقتربتِ أكثر فملامحك تغدوا واضحة كالشمس، نعم أنتِ! فليس هناك ما يصف نيران لوعتي، أمطريني أماناً أخمدي تلك الأفكار، أوعديني بغدٍ أنتِ فيه ما حييتِ أو حييت.
= من ناحيتي لك الأمان سيلًا ولك الوفاء طوفان، هل تعرف معنى الخذلان؟
كأنه شاة يحرسها راعيها من براثن الأسود المفترسة ليدفع ثمنا بخس مع سكين حادٍ يرتجف لها الوجدان، أنت ظفرت بالخذلان وأنا ألقِيتُ في مذابح النسيان.
- ويحك! لن أنسى الوعود، فأنا رجلٌ له كبرياء، أخاف أن يقال عني منافق بعشقه، محطم للقلوب، يمشي بين الناس بصفة اللَعوب، لا هو قادرٌ على انتزاع نظرات الخيبة منك ومن الجميع، ولا هو قادرٌ على جبر الكسور، فالموت عندئذ رحمة لمن وُصم بعار خيانة العهود، وكرامتي أفقدها عند تلِك الحدود، لا أستطيع انتزاع روحي مني مخافة رب الوجود ولا في استطاعتي العيش بين تلك الذنوب.
= لازلت اذكر تَجهمُ وجهك عند التِفاتي حين غُرة لأرى من ذاك الطُفيلي الذي أتاني خِلسة؛ ليُفسِد خَلوتي مع حديث الموج، لطالما كان أنيسي وونيسي في لحظات وحدتِي المتكررة.
- لازالت عيناكِ تدهشانني! أما تجَهُمي فما كان إلا ذهولًا ببريق تلِك المُقل الناعِسة. يا للهول! لديك ابتسامة تسحق أفكاري الهمجية، في حضورِك أقف كالمصلوب دون حِراك، استفيق عند ارتِطام الموج بي بقوة مُبللاً جسدي الهزيل، كأنه تنبيه على ميعاد الرحيل ... هل يَغار النيل؟
= ربما! لست أدري، إنه كالطفل يدنو في مَدّهِ لينهل لمسة عابرة ليُحِس بأن هناك ما ينتظره عند الشاطىء، تكفيه أطراف ثوبي ليعود مرة أخرى مواصلا ملاطفاته من على البعد، جائزته ابتسامتي وشهيق أنفاسي المتُقطِع، لأعود بعدها لوحدتي المُفرطَة، كُنت أدُس في كل زجاجة ماء ورقة بيضاء لا أكتب عليها شيء سوى اسمك وتوقيعي بعد أن وصلنا مرحلة من الهيام تجعل قلوبنا تكتب دون حرف وأدمغتنا تفهم دون شرح، وحدتي تلاشت بعد لِقائنا.
الآن أنت الموج والشاطىء، عيناك مدّ وجزر من النظرات العاشقة، أنت نيلي وفي هيامك أغرق، وأخيرًا أصبح للنيلِ ندٌّ، فصِفاته تربعت على عرشك أصبحت نيلي بلا أمواج، ونقاء دون الأزرق، ولازلت تسألني عن النيل؟! نعم يَغار.
Post A Comment: