الباحث الجزائري / محمد بصري يكتب مقالًا تحت عنوان "ثقافة الاشاعة.والكذب الأسود"


الباحث الجزائري / محمد بصري يكتب مقالًا تحت عنوان "ثقافة الاشاعة.والكذب الأسود"

  



الثقافة الصفراء والتواصل الفضائحي لا يصنع وعيا بل دجلا فكريا مشوها بالكاد .لأن من يقتات على مسارات وأفعال غيره رغم نسبيتها كمن يأكل روث أبشع الخنازير البرية كما تروي الرسالة الانجيلية. التنابز والتشكيك والنيل من تاريخ وخصوصية الأفراد ومجالهم الشخصي هو عمل جبان بكل المقاييس خاصة مع تطور وسائل التواصل وانفجار  زمن المعلومة الالكترونية .لأن هذه الاخيرة ليست بريئة فهي عندما تنفلت في فضاء لا محدود وافتراضي تصبح مثل الكلب المصاب بداء الكلَّب الفيروسي الملعون الذي ينهش كل من يعترض مساره .المعلومة الإلكترونية الخاطئة والافتراضية هي فيروس يجهز على الضحية ويقتلها إنسانيا وتاريخيا في لحظة واحدة وفي زمان ومكان معينيين مرتبطين بالإشاعة، أي بالإمكان إنهاء سمعة فرد بتدوير معلومة سواء كانت صحيحة أو كاذبة وإنهاء وجوده الرمزي والإنساني وشيطنته 

و التبرأ منه ولو كان ملاكا من ملائكة الرحمة، حين تضع كل تاريخه في كفة والإشاعة الكاذبة في كفة أخرى، ليضيع وجوده في ميزان الكذب والإفك..خصوصيات الأشخاص وحرية الأفراد والجماعات والحركات معلقة بشعرة نيلون مهترئة في عالمنا الافتراضي، يكفي بأن تنتهك حقهم التاريخي لتنتهي سمعتهم بالضغط على مفاتيح الكلافييي ولوحة المفاتيح الغبية . من الغريب جدا أن الفكر الاصفر المريض هو صناعة إبليسية  وتجارة  تضخ أموالا على أصحابها ومريديها المردة.

 جوزيف بوليتزر" József Politzer صاحب أكبر جائزة للصحافة هو من عمد إلى تخريج فن الاشاعة والمماحكات الصحفية البديئة والجنسية المسيئة للناس .قصد النيل من الخصوم في فترة كانت النزاعات والحروب الحزبية والأيديولوجية بين اليسار واليمين على أوجها .الحداثة الغربية تحتفي بالفكر الفضائحي عبر تكريم الاعلام بجائزة تعود لأوسخ وأقذر فترة عاشتها الحياة الاعلامية الغربية .ماذا بعد .الغربيون يتخلصون رويدا رويدا من الاعلام الكاذب عبر سن ترسانة قوية من الرقابة القانونية على المعلومة .

خصخصة الحقيقة هي أسلوب إعلامي ومعيار جديد  تبناه جورج بوش الإبن في حروبه المأساوية غير المتكافئة  مع العراق كما ورد في مقال تحليلي لمايك  وتني نقلا عن كتاب بثينة ناصر الإعلام والحرب النفسية1. إن هذا التواطؤ المريب السياسي المقيت  سلوك حداثي مازال يحمل عفونة محاكم التفتيش القديمة حيث العقل المركزي الغربي مازال سجين ثقافة مقاعد العار و التشهير  التي سنتها الكنائس الكاثوليكية ما قبل الاصلاح البروستانتي كما يقول اوتا فريفوت. فالإدانة تكون لمجرد الشبهة أو الوشاية التي يُعاقب المشهر به علنا أمام الغوغاء والدهماء بصورة مهينة وقد ينتهي به الأمر مقتولا حتى قبيل الإعدام كعنف مطلق موجه نحو أناسة الكائن البشري المكرم ميتافيزيقيا وغيبيا من السماء.

هذه الاساليب القرنوسطية والبدائية هي تحقير للكرامة الانسانية هي تكريس للطبقية والغوغائية والحيوانية فهي تنزل بالبشري إلى الغرائزي. القذف والشتم والفضائحية هي ضد الشرف وتمثل فقطالمستوى الادنى من أفق الانسانية. 

بالمقابل نحن نقتحم عالم ما يسمى حرية الرأي والوصول الى المعلومة بالتلفيق والكذب والفضيحة . أي نبدأ من حيث انتهى الأغيار  ونعيد تكرار الخطأ والخطيئة.لا أطيل نحن "أمة الستر" الله ستر المؤمنين وغير المؤمنين من الفاجرين والفاسقين من فوق سبع سماوات .في وقت يخترق بعضنا هذا الستر.ليس تبريرا لأني أتحدث من حيث المبدأ فقط . لكن تحضرني قصة الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه "حينما كان يحمل حزمة حطب في السوق وتوافد الناس لحمل الحطب عنه فاعترضهم باكيا بقوله "نحن عبيد الله لولا ستر الله لافتضحنا..انعمتم مساء.

محمد بصري 

هوامش 

انظر بثينة ناصر إحتلال العقل وكالة الصحافة العربية ط 2017 ص 17






Share To: