الكاتبة الصحافية المصرية / خلود أيمن تكتب مقالًا تحت عنوان "مفهوميّ الستر"


الكاتبة الصحافية المصرية / خلود أيمن تكتب مقالًا تحت عنوان "مفهوميّ الستر"

 

 السلام عليكم ،

مفهوميّ الستر : 

إن المؤمن التقي عفيف اللسان يعرف كيف يحمي الآخرين ويخاف عليهم ويخشى ضياعهم وتشويه سمعتهم كما يفعل مع ذاته ، لذا كان لزاماً عليه أنْ يستر خطاياهم ، يتجاوز عن عيوبهم وزلاتهم ولا يساهم في فضحهم أو تعريضهم للضياع أو التشهير بهم بأي حال من الأحوال أو أي من تلك الأمور البذيئة المنتشرة تلك الأيام حتى وإنْ وقعوا بالخطأ فالله غفور رحيم فمَنْ تكون _أيها الإنسان _ حتى لا تتغاضى عن أخطاء الغير و تستر ذنوبهم وتحاول تخفيف حِمل الذنب الذي ينتاب ضمائرهم ويؤنبها بين الحين والآخر حتى يعفو الله عنهم ويغفر لهم عقب توبتهم النصوحة الخالصة ، فمَنْ ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة و المقصود بالستر ليس فقط الذنوب الكبيرة كالفواحش و الموبقات وغيرها من الكوارث التي يقع بها ذوو النفوس الضعيفة الذين تشغلهم أمور الدنيا السفيهة غير خائفين من عقاب الآخرة وإنما تلك الأخطاء البسيطة والهفوات التي قد يسهو عنها أي امرئ عن دون عمد و تكون النتيجة أنْ يُفْتَضح أمره وينكشف سره أمام العلن مِمَّن يعرفه أو يجهله فتلك ليست من شيم المؤمن مطلقاً إنما المؤمن مَنْ يعرف كيف يُطبِّق القيم التي أمرنا الله بها دون محاولة الحياد عنها أبداً ، فلتحاول أنْ تُنفِّذ تلك المهام المُحتَّمة عليك حتى تجد مَنْ ينصفك وقتما تكون بحاجة للستر عن أي ذنب ارتكبته مهما كان ضئيلاً ، فالنفس أمارة بالسوء ولا تدري متى يحين دورك ، فلتتبع تلك الخُطى مع جميع البشر تكن أسلم الناس نَفْساً وخُلقاً ، وهناك نوع آخر من الستر يجب ألا نغفل عنه فلقد أوشك على الاندثار في مجتمعنا المعاصر ألا وهو ستر الجسد وسط كم الإغراءات والإغواءات التي تحيط به من كل جانب و اتقاء الفتن و أهواء النفس و التقليد الأعمى للغير دون النظر لنهاية تلك الحياة و عاقبة تلك الأفعال التي ننجرف وراءها دون أدنى ذرة تفكير و كأننا منساقون لا نحمل أذهاناً تعقل الأمور و تتفكر وتتدبر فيها بحكمة قبل الإقدام عليها أو الشروع فيها ، فما الذي ننتظره من جيل يدعو لانتشار الفتن بين بعضهم البعض و يساعدون غيرهم عليها و يُرغِّبوهم بها بإصرارهم على ارتكابها و السير على خُطاها بلا أدنى بصيرة لنهاية ذلك الطريق الوعر ؟ ، فبدلاً من توجيه النصح و الإرشاد لمَنْ يرتكب تلك الذنوب العلنية الواضحة وضوح الشمس في النهار الباكر نتهمه بالتأخر إنْ لم يواكب العصر قاضياً على مبادئه وقيمه وأخلاقه متماشياً مع تغيراته البغيضة ، فما تلك التغيرات سوى تردى نحو القاع الذي صار يَعُج بالمزيد من الأخطاء و الزلل ، فلقد تغير المجتمع للأسوأ كل مدى وما زلنا في انتظار الجديد الذي لا ينم سوى عن انهيار لكل الأسس التي أفنينا حياتنا في تشييدها فلقد أضاعها ذلك الجيل المُنْحَل بلا رحمة بنا أو بأنفسهم التي صارت تتوغل في الحضيض ، فالتَغيُّر الحقيقي إنما يكون نابعاً من أعماق النفس ، تغيراً جذرياً شاملاً كل نواحي الشخصية نحو طريق الفلاح ليس الضلال والانحراف و الخطأ ، فالعقاب سيكون عسيراً لمَنْ يُحرِّض الغير على اتباع ذلك النهج الخاطئ الذي لا يؤدى سوى لنهاية ضبابية سوادها قاتم يعمى النظر ، يشتت التركيز ، يشوش الرؤية ، يغشي البصيرة فلا نجد نقطة نور تضئ لنا تلك العتمة التي صارت حياتنا عليها بفعل الانقياد وراء هؤلاء السفهاء مِمَّن يحملون عقولاً غير واعية لا تنظر سوى لبضع خطوات أمامهم ، لا يملُكون بصيرة مستنيرة بعيدة المدى لمستقبلهم الذي ينتظرهم في نهاية الرحلة التي كانت بمثابة اختبار للقدرات وقد رسبوا فيه أشد رسوباً ولا رجعة لاكتساب المزيد من النقاط ، فعلَّهم يستفيقوا قبل فوات الأوان فالدين لم يحرمهم من حريتهم كما يزعمون ولكنه يحميهم من الانجراف وراء الرغبات و الشهوات والفتن التي لا حصر لها ولا رادع والتي ستُحِيل الحياة لغابة إنْ استسلمنا لها و ستُضيِّع حياتهم لا محالة وتُهْلِكهم بلا رحمة نتيجة العناد و الإصرار الدائم عليها دون أي محاولة للإنصات لمَنْ هم أكثر خبرةً و وعياً بأمور الحياة الصالح منها و الطالح ، مَنْ يتمكن من توجيههم وإنقاذهم قبل أنْ تغرس أرجلهم في وحل الفساد والضياع بلا قدرة على الرجوع عنه ...






Share To: