الأديب المصري / إبراهيم الديب يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الوسط الآمن "


الأديب المصري / إبراهيم الديب يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الوسط الآمن "


فى سبعينات القرن الماضي :فرمل التاكسي الدودج الامريكاني المتجه من دمياط لعزبة البرج على طفل صغير لم يصب الحمد لله. والصغير هو من أخطأ، بمروره؛ فجأة أمام السائق. الذى إنهال عليه أهل البلد ضربا بالشمال واليمين, وبكل ما أوتي من قوة، وغالبية من يضرب لم يعرف لماذا بقوم بذلك.، ولم يكلف نفسه أن  يسأل عن السبب ؟ ومع إن الطفل ذهب للبيت، ويتناول عيش وملوخية مع أمه و إخوته .  ولكنها العادة والعرف، فالسيارة والسائق ليسوا من بلدنا ، فلابد بأن يعبر الجميع عن مشاعر الانتماء القومي، بأن يشارك في ضرب السائق، ليعبر بذلك عن العقل الجمعي و إلا اتهم من لم يغضب مع الثائرين على السائق و يشارك فى: تكسير التاكسي بعدم الوطنية وأن انتماؤه مشكوك  فيه وينظر له الجميع بعين الريبة.


تجمع أكثر رجال البلد وخلفهم الأطفال في الصفوف المتأخرة الاحترام واجب حتى الخناق... مجموعة تكسر التاكسي ومجموعة تضرب السائق أما الأطفال والذي كنت أتقدمهم فكانوا يحدقون السيارة بالطوب والزلط... إلى الآن لا أعرف ولم أجد مبرر لماذا كنت أفعل ذلك؟ ما علينا دعك من التفلسف الذهني البارد نعود للأحداث الساخنة..


 فما زال العزق فى السائق  والتاكسي الأمريكاني مستمرين؛ على قدم وساق, ولا تنسى كمية الطوب والزلط التي أطلقت على  زجاج السيارة الذى تهشم تماما, و أصبح يشبه ضباب صباح شهر أمشبر من: أثر  الطلقات المباشرة والتي تصيب هدفها بمهارة شديدة أصبح الزجاج شبه آيل للسقوط ولكنه متماسك بفضل المادة اللزجة بداخله والتي تسكن وسط طبقتين الزجاج تجذب كل طبقة منها تحاول السقوط للداخل مرة أخرى ....لم يجد السائق مخرج  للنجاة بنفسه الا القفز وسط الترعة  ثم حاول أن يصعد لضفتها الشرقية من أجل الفرار ؛فتصادف ذلك مع خروج عمال الملاحة و دون أن يسأل أحدا منهم ماذا حدث؟ ضربوه أيضا بعصيهم التي يحملون عليها قلل المياه والملح ف اتجه للضفة الغرببة والتي حظه فيها أتعس وأسوأ  من الشرقية: لخروج عمال الأرز بالشراشر من الغيطان فكلما أقترب من ضفة: ناله من الضرب الكثير ولم تفلح مجموعة الوسط من أهل القرية, التي كان لها رأى آخر يحمل في طياته قدرا من الحكمة والعقل وهو؛ تسليم الرجل للشرطة التي طلبها العمدة بالتليفون فكانت مجموعة الوسط تحكم المنطق  فى الأمور بعض الشيء ولكنها  أقلية واستثناء وليست قاعدة ولم تستطع فرض رأيها على الأغلبية الثائرة دون أن معرفة سبب واضح لذلك.


  ما زال السائق وسط الترعة ,الذى يبدو من هيئته أنه ابن ناس لهندامه وتأنقه. قبل أن يقفز بداخل  الترعة للنجاة بحياته، قبل تمزق ملابسه وتورم خلقته، وتسلخ جلده، علاوة على بعض الكسور لأنه كان يعرج فى الترعة . .. ولكنه استقر على رأى سديد وأختار أن ؛يقف وسط الترعة تماما يتلقى سباب ولعن ,لم يسبق له مثيل, من شرق الترعة وغربها  على السواء ،ولكنه أفضل على كل حال من الضرب والعزق المتواصل بلا هوادة، دون كلل أو ملل، و الذى كان سيفضى إلى الموت لا محالة....كان الرجل مذهول من رد فعل البلد الغير متوقع ...  أنتظر السائق حتى أخرجته الشرطة...كانت هذه تلك إحدى غضبات البلد  على السيارات الأجرة والملاكي وسائقها... أما الطفل الذى فرمل عليه السائق فهو الأن يتناول الفطير المشلتت الذى خبزته أمه فى الفرن الفلاحي والسمن البلدي  ولا يعلم شيء  هو ولا  أمه ولا إخوته عن المعركة  التي تدور رحاها على الاسفلت قبل أن تنزل الترعة ...





Share To: