فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "التوسط والإعتدال في كل أمر"


فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "التوسط والإعتدال في كل أمر"

 


القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يدعوان إلى التوسط والإعتدال في كل أمر :


لما كان الإسلام هو دين الله الذي أنزله بعلمه على سلسلة طويلة من أنبيائه ورسله ، ثم أتمه وحفظه في القرآن الكريم وفي سنة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ، تعهد ربنا تبارك وتعالى بحفظ وحيه الخاتم  تعهدا مطلقا ، فقال عز من قائل : 


إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 


(الحجر: 9).               


ويخاطب ربنا تبارك وتعالى أمة الإسلام بقوله العزيز :


 وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً


 (البقرة: 143).


والوسطية في الإسلام هي الإعتدال في كل شيء ، ومن هذا الإعتدال ترشيد كل من الاستهلاك والإنفاق ، وهو من ضرورات استقامة الحياة على الأرض ، وضبط العمليات الإقتصادية والسلوكية فيها . 


ولا تستقيم حياة الإنسان على هذه الأرض حتى يصبح الترشيد سلوكا عقلانيا متزنا وملتزما بالموضوعية والحكمة على مستوى كل من الفرد والأسرة والمجتمع .


 وهذا الترشيد يتنافى تماما مع العديد من السلوكيات الخاطئة التي يغرق فيها أغلب أهل الأرض من مثل البخل والشح والتقتير ، أو الإسراف والبذخ والتبذير ، كما يتنافى مع كل من الترف المخل والبطر الفاحش ، ويتنافى كذلك مع كنز المال والتقتير في الإنفاق .


وينهى ربنا تبارك وتعالى عن كل ذلك في العديد من آيات كتابه الكريم التي منها ما يلي : 


... وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ


(الأنعام: 141).


ويقول تبارك وتعالى : 


يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ


 (الأعراف: 31).


.. وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ


 (التوبة: 34).


ويقول تعالى :


وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً .


 (الإسراء: 27،26).


ويقول تعالى :


وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً .


 (الإسراء: 30،29).


ويقول تعالى : 


وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً .


 (الفرقان: 67).


ويقول تعالى : 


وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ 


(الشعراء: 151) .


التوسط والإعتدال في كل من الإنفاق والإستهلاك لا يتعارض مع المتع الحلال :


يدعو القرآن الكريم إلى الاعتدال والتوسط في كل أمر من أمور الحياة الدنيا ، وهذه الدعوة لا تتنافى مع المتعة الحلال بما أفاء الله تعالى على العبد من رزق ، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى : 


قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .


(الأعراف: 32).


رسول الله ﷺ يدعو إلى التوسط والإعتدال فى كل أمر :


وانطلاقا من هذه الهداية الربانية الداعية إلى التوسط والإعتدال في كل أمر ، يقول المصطفى ﷺ : 


 "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".


ويقولﷺ :


"كلوا واشربوا، والبسوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف".


ويقولﷺ :


ابدأْ بنفسك فتصدَّق عليها ، فإن فضَل شيءٌ فلأهلِك فإن فضَل شيءٌ عن أهلِك فلذى قرابتِك ، فإن فضَل عن ذي قرابتِك شيءٌ فهكذا و هكذا .


ويقولﷺ :


"إن الله كره لكم ثلاثا : 


قيل وقال ، وكثرة السؤال وإضاعة المال".


ويقولﷺ :


"ما عال من اقتصد ، ومن اقتصد أغناه الله ، ومن بذر أفقره الله".


ويقولﷺ :


"ثلاث منجيات وثلاث مهلكات : 


فأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضى ، وخشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر".


ويقولﷺ :


"لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس : 


عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه فيم عمل به".


وأيضاً : 


مر رسول الله ﷺ بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال:


 وما هذا الإسراف؟


 فقال سعد : أفي الوضوء إسراف؟


 قال ﷺ: "نعم ! وإن كنت على نهر جار".


وتتضح أهمية تذكير المسلمين بضرورة الإلتزام بالتوسط والاعتدال في كل شيء ، ومن ذلك الرزق الذي يستدعي استخدام القدر المناسب في كل من الإنفاق والإستهلاك دون إسراف أو تقتير ، مع مراعاة التدرج المنطقي من الضرورات إلى الحاجات ثم التحسينات. 


وبذلك لا يكون المسلم من المسرفين المغالين في الترف المهلك ، ولا من المقترين الذين يجعلون أيديهم مغلولة إلى أعناقهم ، لأن الله تعالى نهى عن كل ذلك ، وقرر معاقبة كل من المسرف بإسرافه والمقتر بتقتيره في الدنيا قبل الآخرة ، والله تعالى هو القوي العزيز الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .




Share To: