مقطع قصير من رواية "احبها بلا ذاكرة" للروائي التونسي الأمين السعيدي
جبل الصوان ووادي الغربان،الراعي والكلب،حضن المعلمة...أريد ان احيا بلا ذاكرة يا عدنان !
يمسك يد المخنثة.يضع معطفه على حافة الباب ويخرج قاصدا غيمة الفقراء التي لم تمطر وهو القائل ان السواد يجمعهم والنور الذي يغمر صدره يرهق سعادته !
المعلمة منذ كان صبيا،الى الان يسكن حضنها ويجمع ملابسها الاقرب الى جسدها الناعم.عطرها من زمن لم يأت والنساء في مدينته على اختلاف اشكالهم والوانهم تجمعهم نفس الرائحة حتى عفاف لا تختلف عنهم ولاشيء يميزها غير حرصها الشديد على ان تحيا بلا ذاكرة !
لماذا لا يكتفي بها ويرحم غيرتها وتشتتها مادامت كل النساء تشبهها ؟
سيظل طول العمر يفتش داخل غرف النساء عن تفاصيل المعلمة ! ولن يجد امراة تعلمه الحروف في الصباح وحين يرن المنبه يضع محفظته على ظهره واصبعه الصغيرة في يدها وشعرها الطويل يلامس وجهه الشاحب المشرق... وهي تطيل النظر في عينيه وتبتسم.تفتح باب سيارتها.يصعد الفتى مع سعادته وقد تعود ان تضع يدها على فخذه وهو ملتصق بها وكلما وجدت في جيبه قطعة نقدية ألا وامرته ان يخبر امه بأن المعلمة تهتم به وتريده لها وحدها وعليه ان يتعود منذ الآن على فراق امه حتى تصقله التجارب والفتى لا يرى أفضل من النوم في حضن معلمته.
حين يعود الى اسرته تشرع امه في اعداد الحلوى التي يحبها باللوز،وكل ما هم بالخروج ألا وامرته بأكل المزيد،ثم تشرع في اعداد لمجته حينها يشتد غضبه ويصيح ابنائي في الطريق.كبرت يا امي،لماذ لا تفهم !
تغرق امه في الضحك وتحضنه اخته.تحمله الى المطبخ.ينظر الى شرائح لحم الخروف ويبتسم.يقبلها من جبينها ويشير بيده،اريد كسكسي بهذا فالمعلمة لا تطعمني غير الدجاج والسمك.
يسمع والده ذكر المعلمة وعدنان يرى في وجه إبيه حيرة ما تعودها.
سارة جعلته يكبر دون ابناء حيه حين اكتشف تفاصيل جسدها وكانت تأمره ان يجسد مايقوم به الكبار وهو لا يمتنع عن ذلك ولا يرفض طلبا لمعلمته مادام يشعر بالسعادة واشياء اخرى لا يعلمها...
كبر عدنان دون رفاقه ومنذ ان غادر بلدته وهو يبحث عن تفاصيل المعلمة في كل النساء وحين يقع في حضن امراة،يضع راسه على كتفها حتى لا ترى دموعه وكلما حاول الابتعاد واختار العزلة لينسى،التحقت به النساء فكان لهن الجسد،اما القلب تسكنه سارة المعلمة وطنا بعطرها بعد موتها !
وعفاف تأجج غربته حين تغار من ميت ولا يهمها شيئا مما يحدث مع الأحياء !
ص:153
ط:1
Post A Comment: