الأديبة المصرية : نجلاء محجوب تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "أبنائي"


الأديبة المصرية : نجلاء محجوب تكتب "أبنائي"

 


أعتاد زوجي في الفترة الأخيرة على العودة متأخرًا إلي المنزل، و كان دائمًا يخبرني أنه مشغول، كنت أشعر أنه يخفي شيئًا ما عني، و بإحساس امرأة شعرت أن هناك امرأة أخرى، وفي يومٍ حزين، أعترف لي أنه تزوج، و علل ذلك أننا تأخرنا في الإنجاب، و هو يريد أن يكون أبًا، تجمدت الدموع في عيني و أبى كبريائي أن تزرف عيني دموعًا أمامه، أومأت برأسي، و جرجرت قدماي إلي غرفتي، فتبعني للغرفة و اقترب و قَبَل رأسي و غادر، كانت ليلة قاسية قضيتها وحيدة أرتجف من الخذلان، و أحترق من تجاهله لمشاعري، و قسوته في المغادرة، و عيناي يملأها الضعف والانكسار و الدموع المتحجرة، كنت حزينة، و مجروحة، و شعرت أن جفاءه و تغيره معي عقاب لي على شيء ليس لي ذنبًا فيه، لملمت تبعثري و قررت العودة لعملي، و بعد أسبوع من الغياب، دون مهاتفتي و لو مرة، جاء لزيارتي فأخبرته أنني عدت لعملي و طلبت منه أن ننفصل بهدوء لأنني لا أستطيع أن أكون على الهامش، فأخبرني أنه يحبني و يرفض الانفصال، وغيابه كان بسبب أن زوجته حالتها خطرة، و أن الطبيب أخبره بضرورة أن تحجز بالمشفى، لأن الجنين ليس بوضعه الطبيعي، رغم ما أشعر به من غيرة و مرارة إخفاء زواجه عني، إلا أنني صمت، وفي اليوم التالي أخبرني أنها فارقت الحياة، و أصبح لديه أبن وأبنة توأمان، بدا وقتها حزينًا و هو يستعد لمراسم الدفن، و تفاجأت أنه ترك الرضيعين عندي، و طلب مني رعايتهما، كنت أتوق أن أكون أمًا فاحتنضتهما، و عاهدت الله أنني سأعتبرهما أبنائي، كان أحدهما يصرخ و كأنه علم أن أمه فارقت الحياة، ضممتهما لصدري و شعرت أنهما هبة من الله ليجبر خاطري بهما، و قمت على رعايتهما، و اختار زوجي أسم شروق للبنت و أسم زياد للولد، كبرا أمام عيني، و كنت سعيدة جدًا بهما عندما تفوه فمهما الصغير باسم أمي عانقت فرحتي السماء، مرت السنون و بعد احتفالنا بإتمامهما المرحلة الابتدائية، شعرت فجأة بدوار و ارهاق و ظننت أنها مجرد وعكة صحية، فذهبت للطبيب فاخبرني أنني حامل، لم تسعني الفرحة وقتها، مرت الأيام و الشهور و أنجبت ولد اسميته عمر، و كان طبيعي أن مدللتي شروق و مدللي زياد يصيبهما الغيرة من الطفل الجديد الذي أخذ جزء من الاهتمام، و زاد تعلقهما بي، كنت استوعب ما يحدث فحاولت أن أزرع بينهم المحبة و افهمهما أن عمر اخوهم الصغير و عليهما أن يهتما به مثلي، تجاوزنا هذه الفترة ، لكن واجهتني مشكلة أخرى هي غضب زوجي كلما نهرتهما عن إيذائه، كنت أراعي الله في تعاملي معهما لكنه كان يشعر أنني سأثر أبني عنهما، ومرت السنون و كبرا، و كان زوجي يعامل عمر بقسوة زائدة و يدلل شروق و زياد أبناءه من زوجته المتوفية، تحملت و كنت أقول ربما لأنه يشعر أنهما فقدا أمهما و لم يراها قط، كنت أحنو عليهما، و أُسِر إلي عمر في اذنه أنني أحبه كثيرًا فيمسح دموعه و يبتسم، و لأني كنت حريصة أن يتموا دراستهم كنت أهتم كثيرًا بمساعدتهم في استذكار دروسهم، لم يخذلوني و اجتهدوا و مرت السنون، و كبر الأبناء وتخرجوا من الجامعة شروق تخرجت من كلية التجارة و بعد شهور قليلة من تخرجها تزوجت، و سعادتي بها كانت سعادة أم زوجت أبنتها، أما زياد تخرج من كلية الهندسة و عمل بشركة هندسية، و أحمد صار طبيب، ابتسمت لي الحياة عندما شاهدت نجاح أبنائي، لكن زوجي دأب على الكيل بمكيالين والتفرقة بين أبناءه و الجور على عمر، و ظهر ذلك جليًا عندما قرر أن يزوج زياد لبسنت أبنة جارتنا هدير، و هو يعلم أن عمر يحبها و يرغب في الزواج منها، و هي تبادله المشاعر، و رغم ذلك قرر زوجي أن يطلبها لزياد وبرر ذلك أن زياد أكبر من عمر، و لم يكترس لقلب عمر الذي يبغي تحطيمه، فقررت أجمع أبنائي بعيد عن زوجي وأخبرتهم أن كلاهما أبنائي و لم أفرق في المعاملة بينهما يومًا، و لا أريد أن يحدث شرخ في علاقتهما، فاخبرني زياد أنه لا يرغب في الزواج من بسنت، و أنه أخذ قرار بالسفر، و أحتضن أخاه، شعرت وقتها أن ما زرعته في تربيتهم في الصغر بدأت أجنيه، و زادت غلاوة زياد في قلبي أضعاف، عندما أخبر والده أنه لا يريد الزواج من بسنت لأنه لا يشعر بأي مشاعر تجاهها، فوافق زوجي على إتمام زواج عمر من بسنت، و في ذات يوم كنا عائدين من فحص بالمشفى لزوجي تعرضنا لحادث، نجينا منه بعناية الله أنا و زياد و لكن زوجي كانت حالته حرجة، و قضى القدر أن يتوفى بعد أربعة أيام، و علمت بعد أيام أن زياد تبرع لي بدمه، و عندما تعافيت وعدنا للمنزل أخبرني أنه لا يرغب في السفر، و لم أجد أقرب منه في أبنائي قربًا لي، قام على رعايتي، و كان خير مثال للأخ الأكبر لأخوته، يهتم بسؤاله عنهم و التودد إليهم، حمدت الله أنني أحسنت تربيتهم، و أن ما قدمته من خير في تربيتهم و هم صغار عاد لي في الكبر، تزوج زياد زميلته في العمل، و كان يقيم معي و كان أحن عَلِيّ من أبني الذي أنجبته، و أصر أن تجتمع عائلتنا كل نهاية أسبوع حتي يسعدني، ما زرعته في صغرهم جنيته في كبري؛ أحسن يحسن الله إليك.




Share To: