الكاتب الجزائري / هشام بن لوصيف يكتب مقالًا تحت عنوان "قد لا أنصفك....ولكنني سأكتب.."
لاشك في أن المؤرخين على جانب كبير من الصواب حين اشترطوا في التأريخ أن يتماسف فعل التأريخ فيه مع الحدث والوقائع (وهذا من خمسين سنة)ولعل القصد من ذلك أن تتوضح معالم الحدث وتتجلى أطرافه الفاعلة في صنعه ،ذلك أن ما يبدو غامضا الآن قد يتضح غدا ،كما أن الشهود الفاعلين في الحدث قد يشكل حضورهم فعل إضافة أو تغيير أو تصوير للحدث بما يجعل منه حدثا حيا مستمرا غير منته ،ولا قابل للإحاطة به وضبطه في حالة من سكون ،ذلك أن التزامن من إحدى أهم خصائص المنهج الوصفي الذي يشترط انتفاء التعاقب في بنى الظواهر المراد بها الدرس.
أقول هذا ،على سبيل بيان وجه الصعوبة التي أكابدها الآن وأنا أعتزم الكتابة عن شخص ما يزال قائما (مده الله طول العمر) أستاذي الدكتور عمر بوساحة ،فماعساك تقول في حدث فلسفي حي متناسل الديمومة ،فاعلي التفكير مستمر الجهد.ولست أبالغ إذا قلت أني كلما هممت أن أكتب عنه سطرا استذكرت سطرين كأن الكلام فيه مازال متناسلا ،إنه حدث مستمر عصي على الإيقاف والاستوقاف
عندما نبدأ الكتابة نكون مفعمين بوجدانات فوضوية ونكون غير قادرين على مجاراة هذا الضجيج الجواني حتى نفقد الصبر لأجل ما نحن بصدد كتابته ؛لكن ونحن نكتب ينتابنا شعور أننا بحاجة إلى أعوام ليكون لتعبيرنا سبيل نتفاعل من خلاله مع ما نكتب أو حول من نكتب ؛لهذا فإن الكتابة قد تكون قدرة /عجزا أو بداية/نهاية .لكن الحقيقة الراسخة هي أن الكتابة أولا هي رؤية على العالم نؤرخ بها لوقائعه أو نصف بها بنياته أو بها نعيد ترتيب مكوناته ومعرفة نظمه ،وأن الكتابة ثانيا انفتاح على الأشخاص فتكون شاهدا يفشي أسرارهم ولاعبا عارفا يفك أحجيات رغباتهم وأفكارهم .
أمام هذه الحدود (قدرة/عجز ،بداية /نهاية) أبحث عن حالة وسط بين هذه المتناقضات ،لأتحدى القاعدة المنطقية القائلة"لا وسط بين متناقضين"،لذلك لن تكون الكتابة عندي أمرا منطقيا بل ستكون حالة ثالثة(الثالث المرفوع) لأني سأجمع من خلالها ثلاثا :أن أوثق لحياة وواقع وأن أتحدث عن مشاعر أخشى عليها الضياع والانسحاق في الزمن ،وأن أتأمل بها في البعد الفلسفي للمعاني ،فتكون هنا الكتابة تفكير في المحيط والإنسان والزمن .
في كتابتي سأحاول –فيما تيسر لي-الاحتفاء والاعتراف بجهد الأستاذ عمر بوساحة الذي نذر عمره ليخرج الفلسفة من سجون الأحكام المسبقة والرفض الإجتماعي الذي يحاصرها وهذا عبر تحريرها وجعلها آلية تواكب تطلعات المعيش في الواقع ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى ،اتخذ منها وسيلة وأداة ثقافية لأجل كل تغيير يطمح إليه كل جزائري .لا يفوتني هنا ،أن أذكر بأن محاولتنا الكتابة عن الدكتور بوساحة يمكن اعتبارها مجرد ومضات تحمل علامات وإشارات وصفية سريعة قد لا تنصف فكره وبعض القضايا التي نخرت عقله وشغلته ،فكانت كتابتنا في العديد من الأحيان قاصرة وعاجزة عن مسايرة تناسله الفكري ودقة تراكيبه.
وقفت في العديد من المحطات أثناء الكتابة عن بوساحة وقفة حيرة ،اندهاش واعجاب أمام كثرة الأفكار ودقة الإشكاليات وحساسية الموضوعات الثقافية القديمة منها والراهنة ،وما ذلك إلا دليل قاطع على أن الدكتور بوساحة يدرك خطورة وجدية المهام الملقاة على عاتق كل مثقف وأكاديمي .
من هنا ،وأمام التحديات والمسؤولية التي أدركها تشكل "عمر بوساحة الموقف" و"ما الرجال إلا مواقف"،فكانت مواقفه صارمة تعبر عن قناعة لا تتلون ولا يمكن أن تتبدل،وما كان بيدي من حيلة إلا أن أحاول أن أتخذ موقفا وأكتب ،لأنني تيقنت أن الكتابة موقف.
Post A Comment: