رواية " ساعة واحدة من عدل " ل الدكتور المصري محمد فتحي عبد العال ... ورحلة البحث عن عدل مفقود.


رواية " ساعة واحدة من عدل " ل الدكتور المصري محمد فتحي عبد العال ... ورحلة البحث عن عدل مفقود.


بقلم : أستاذة فضيلة معيرش 

كاتبة وناقدة جزائرية



بلغة مباشرة مكتنزة بالحكمة والموعظة يولج الروائي بالقارئ لمتنه، يثبت دعائم حكيه ويهندسه ، يسترسل في تسلسل الأحداث التي تنمو نموا منطقيا منسجما ، يختار الشخصيات ويوزع أدوارها كما وجدها في الواقع ، وكما هو تخصصها في مجال عملها.

اعتمادا على مقولة " العدل أساس الملك "يطرح الروائي فكرته في رايته الموسومة " ساعة واحدة من عدل"   الصادرة عام 2021م عن دار ديوان العرب.

يقول الجاحظ " العدل هو استعمال الأمور في مواضعها،وأوقاتها ، ووجهها،ومقاديرها، من غير سرفٍ ،ومن غير تقصيرٍ، ولا تقديمٍ ، ولا تأخيرٍ ".

يحدد الروائي المكان الأول للرواية بصيدلية بقرية بالزقازيق بمصر ،دأب فتحي على جلب الأدوية لمخزن الصيدلية لمدة شهرين في السنة بواسطة مركبة صغيرة الحجم وصفها الروائي بأنها تنقل البضائع لها ثلاث عجلات ومقود ليس لها أبواب ونوافذ تسمى - يساعده في حمل الأدوية للمخزن العم منصور الموظف الذي يعمل معه في الصيدلية .

يمزج بين ضميري المتكلم والغائب في سرده.

في روايته نماذج لموظفين متقاعسين ساهموا بطريقة ما في تأخر تطور البلد، يرى رولان بارث أنه (1)" ومما لا شك فيه أنه لا يوجد عنصر – في العمل الروائي – ليست له وظيفة بنائية ودلالية، فحتى الذي يبدو لنا هامشيا أو ثانويا، بالقياس إلى غيره يؤدي وظيفة "

يفصح الروائي عن هواية البطل الرئيسي فتحي فهو محب لمطالعة الكتب التاريخية وكونه وحيد ويتيم وفقير، يتذكر مرة لم يجد ثمن شراء كتاب في تخصصه وبخه أستاذه ، لم تثبط الحادثة عزيمته وواصل تحصيله ، حتى تخرج وتوظف احترمه وقدره أهل القرية لإخلاصه ،لم يكن ممن يستسلمون لليأس والذرائع ،كان يقدم الاستشارة لمن يطلبها ،أصبح محل ثقة.بمطار القاهرة الدولي رتب وحمل فتحي حقائب سفره للصحراء الغربية - الفضاء المكاني الثاني للحكي - عله يجد بيئة يسودها العدل أفضل من بيئته بمصر،تذمره كان  منحصرا بأنه سيحل بمنطقة عربية غدت محل صراعات.فتحي صيدلي بعمر التاسعة والثلاثين ، تبنى فكرة الرواية حول بحثه عن العدل وفك الحبكات التي تصادفه ،حيث تسلسل الأحداث وتصاعدها وفق منحى زمني منسجم يعمل الصيدلي على مدار أحداث الرواية بصورة فردية ، يناقش كل مسؤول على حدا 

يفكك خيوط المؤامرة حيث اتفاق الرفاق على خيانة الأمانة وتغليب الذات وجمع المال بطرق ملتوية ،ضاعت أيامه ووصل لمشارف الأربعين دون أن يحقق استقرار أسري ، ضاع ماضيه  فراح يحاول التنقيب عن مستقبل يسوده العدل والأمن خارج الديار.شاب مثقف خبير بمجال الطب والصيدلة وإن كان الروائي كما جاء في سيرته متحصل على دبلوم  بكالوريوس صيدلة جامعة الزقازيق سنة2004 م ودبلوم الدراسات العليا في الميكروبيولوجي التطبيقية جامعة الزقازيق 2006 م

فأسقط خبراته بهذه الرواية ، وما تحمله من دلالات، يتعرف ويصادف أشخاص لا مبدأ ولا ضمير يحكم حياتهم إلا مبدأ المادة.

فهل الرواية بهذا المنظور جزء من تاريخ حياة البطل ؟ أم هي حياة الروائي بالذات حتى ألم بكل التفاصيل الدقيقة ، وما خفت عنه لا شاردة ولا واردة  .

الكاتب من خلال شخصية فتحي كان يبحث في الماضي أو عن فترة يسود ويحقق فيها العدل ولو ساعة في حياته وفي عمله حتى تحول بحثه لسراب.

عند وصول فتحي الذي هو محور الحدث للصحراء الغربية وما يتميز به من حبه للتحديات وقدرته على حل الصراع والمغامرة وما واجهه من عراقيل وعقبات تخلقها  شخصيات تتصف كونها شريرة واستغلالية ،يبذل قصارى جهده للتغلب عليها ، والسؤال الذي يطرحُ هل بإمكان فتحي الانتصار في نهاية الرواية ؟

 

وإن كانت الشخصيات الثانوية – غير الأساسية – تعتبر شخصيات أخرى مكملة للعمل الروائي ومؤثرة فيه لكن بدرجة أقل ،في مكان الحكي الأول بلد مصر نجد من الشخصيات عم منصور سائق التكتوك وأيضا العم لطفي الذي يتقاعس لا يتقن عمله و العاملة أم مجدي التي تتصنع الطرش لتفلت من القيام بمهامها والدكتورة إخلاص التي تهديه رواية الأمير لميكافيلي التي اتخذها كمرشد و أسقط  من أحداثها على ما وجد بمدينة سمارة عاصمة الصحراء الغربية وجدها مدينة رائعة هكذا وصفها ،أول من يجد في المستشفى صديق دراسته مرسى وما قدمه له من نصائح حتى لا يصطدم بمن يعمل في ذاك المستشفى. 

ثم مقابلة المدير الإداري مزمل يصفه أنه طبيب باطني سوداني طويل القامة هادئ الطباع خفيف الشعر همه جمع المال والطرق المشبوهة التي يستعملها لذلك دون رادع،ما سيثير حفيظة فتحي مكان الإقامة الذي تتقاسمه معهم الفئران ،ويثير الأسف أيضا هو صاحب المستشفى الذي شيد ما يزيد عن سبعين مسجدا وتزوج بزوجته الربعة وهو على مشارف الثمانين ولديه ثلاثة عشرة ابن وخمس بنات.لكن يقطع أرزاق العمال الذين يطالبون بحقهم في زيادة راتبهم . 

في الصيدلية يتعرف على المشرف المرشدي بقامته الطويلة ولحيته البيضاء .يثير ريبته أنه من أصل هندي.ولا يملك شهادة جامعية لكن يعد من أكبر الصيدليين ،صاحب المشفى الحاج إسماعيل من يملك القرار في التعيين ،تلاعبات كبيرة يكشفها فتحي على غرار من يصاب بمرض الكوفيد يبعد عن المشفى ويطرد ،أيضا جمالات نموذج للعاملة المستهرة المهملة لعملها ، جاء على لسان  مزمل –  "أتعرف يا فتحي  لو سار إسماعيل في الاتجاه الصحيح  فلن يكلفه ربع ما سوف يتكلفه في المسار الخاطئ " 56 . وإن كان فتحي يسقط ما يجده في كتاب ميكيايلي على غرار:" يجب على الأمراء تفويض المهام الصعبة للآخرين و الحفاظ على المهام الشعبية لأنفسهم "ص 57    فلا أحد يهاجم إسماعيل بينما يتهمون مديريهم بالتراخي والتجاهل وعدم اطلاع إسماعيل على مطالبهم واحتياجاتهم .

مراد شخص وفي لصاحب المستشفى صاحب أعمال قذرة خفية..من زيارات فتحي للأقسام اكتشف الاستهتار يصل للدكتور ذكرى أخصائي القلب سلوكه سيئ مشين يمضع العلكة ويعاكس الممرضات.

حتى الدكتورة آمال الفلسطينية المسوؤلة عن الصيدلة الداخلية صديقة لجمالات ، تعينت بالواسطة زوجها مقرب من صاحب المستشفى إسماعيل 

   مرشدي رئيس لمصلحة لم يكن يهتم للجودة ." مضى شهر ومازالت دوامة الحياة الجديدة تعتصر فتحي لقد ظنها مهربا لما قاساه في مصر لكن هيهات فالوضع أقسى وأمر.." ص71 

كما يسجل فتحي إعجابه بالتقاليد خاصة ما تعلق منها بالأعراس ..والاحتفالات وتعلقه بعد ذلك بزاوية الشيخ ماء العينين وحرصه على زيارتها يوم إجازته من كل شهر.." يا نوح إنه ليس من أهلك ، فمن تنحى عن طريقنا فلا تنسبوه لنا   "76   ص  .

حين اعتقد مزمل و إسماعبل بالنجاح قدم فتحي استقالته ما أقره مزمل :" الحاج إسماعيل ظاهرة أرضية لا مناص من التعايش معها نحن في عالم لا يعترف بالأخلاق فقط بالمادة وبالمادة وحدها " ص 82 

رافق الشيخ أبي السعود.و أصبح يكنى بالشيخ فتحي أي لجأ في نهاية المطاف للتصوف فخلص أنه لا مكان للعدل قي كل من مصر والصحراء الغربية،فهل كان بامكان الروائي تقديم نهاية أخري للرواية وتبقى–ساعة من عدل –جديرة بالقراءة ..



أستاذة فضيلة معيرش 

كاتبة وناقدة جزائرية




Share To: