فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "فوائد من حديث عاشوراء"
في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟
فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .
متفق عليه
وفي هذا الحديث العظيم فوائد وعبر نستخرج بعضًا منها :
🌲أرسل الله رسوله موسى -عليه السلام- إلى فرعون بعد ما طغى وتجبر وادعى الألوهية فقال:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
(القصص: 38)
بل وادعى الربوبية فقال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ﴾
(النازعات: 24)
فدعاه موسى عليه السلام فقال:
﴿ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾
النازعات: 18-19
وأراه موسى عليه السلام المعجزات الباهرات من تحول العصا إلى حية عظيمة وإدخال اليد في الجيب تخرج بيضاء من غير سوء ، وغير ذلك من الآيات .
ولكن ظل فرعون على كفره وعناده وتجبره، بل وأعد العدة لإخراج موسى وبني إسرائيل من مصر فحدث ما حدث وأغرق الله فرعون وقومه وأنجى موسى وقومه .
فصام موسى عليه السلام هذا اليوم شكرًا لله تعالى وهذا يدل على أن شكر الله -سبحانه وتعالى يكون بطاعته .
قال الله عز وجل :
﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾
سبأ: 13
وها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه أي تتشقق من طول القيام ، فتسأله أمنا عائشة رضي الله عنها :
لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟
قَالَ: أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا .
متفق عليه
فدل هذا على أن الشكر يكون بالعمل.
🌲هلاك الطواغيت نعمة ومنة عظيمة من الله تبارك وتعالى تحتاج إلى شكر فهلا شكرنا ربنا سبحانه وتعالى أن أزاح عنا هذا النظام الغاشم فطبقنا شرع الله تعالى اقتداءً بموسى -عليه السلام عندما صام يوم عاشوراء شكرًا لله عز وجل على أن أهلك فرعون قومه وأنجى موسى عليه السلام وقومه.
🌲فيه دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأتِ شرعنا بخلافه.
🌲أن الله شرع لأهل الكتاب قبلنا الصيام كما شرعه لنا .
قال الله -تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة: 183
🌲فيه أن المسلمين أولى الناس بالأنبياء وذلك لأن هؤلاء اليهود والنصارى حرفوا العقائد والشرائع التي جاء بها الأنبياء من عند الله عز وجل .
بل وخالفوا أنبياءهم وعادوهم فكان المسلمون أولى بموسى من اليهود وأولى بعيسى من النصارى.
🌲فيه تأكيد على عقيدة الولاء والبراء ، فنحن نحب موسى وقومه وإن كانوا غير مصريين ونفرح بنجاتهم لإيمانهم بالله ، ونبغض فرعون وقومه لكفرهم بالله وإن كانوا مصريين.
🌲فيه أيضًا مخالفة أهل الكتاب فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قيل له :
إن اليهود تصوم هذا اليوم وتعظمه خالفهم .
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
"حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا :
يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ .
قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
رواه مسلم
🌲وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على صيام ذلك اليوم عاشوراء وبيَّن أن فيه أجرًا عظيمًا لمن صامه.
فقال صلى الله عليه وسلم :
صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ .
رواه مسلم .
Post A Comment: