حديث الجمعة | مناخنا حياتنا (٣) بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف 


حديث الجمعة | مناخنا حياتنا (٣) بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف


أيها القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن موضوع الوقاية من التلوث البيئى معلوم الأسباب وذلك وفقا للحملة الدعوية (مناخنا حياتنا) ووعدتك بأهمية التعرف على المنهج الإسلامي لحماية البيئة من التلوث المناخى لأسباب بشرية والذى يقوم على الجانب التربوى من خلال الربط بين واجب حماية البيئة وبين أصول الدين والعقيدة والشريعة، ثم على الجانب العملى من خلال نظام مؤسسى وإجرائى. ففي الجانب التربوى نجد أن حماية البيئة من شُعب الإيمان: كما جاء فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. كما أن حماية البيئة من التلوث من مقاصد الشريعة: التي حددها العلماء بمقومات الحياة الخمسة وهي: الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ومن المعروف أن تلوث البيئة يضر بهذه المقومات والضرر منهى عنه شرعاً كما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار، كما يؤدى التلوث إلى إفساد هذه المقومات، والفساد منهى عنه شرعاً في قوله تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الأعراف: ٨٥). وإذا كانت الأحكام التكليفية بنيت على أن ما يصلح هذه المقومات الخمسة يكون واجباً أو مندوباً إليه بحسب درجة الصلاح، وأن ما يفسدها يكون حراماً أو مكروهاً بحسب درجة الإفساد، وأن التلوث يعتبر ضرراً حيث يوصف اقتصادياً بأنه الزيادات التراكمية للعناصر الضارة بالبيئة كما يوصف فقهياً بالضرر الكبير المستدام لذا فإنه يدخل في نطاق التحريم الشرعي، وفي المقابل فإن حماية البيئة منه تدخل في نطاق الوجوب الشرعى كما نهى الإسلام عن الإسراف والتبذير لأنهما يؤديان إلى استنزاف الموارد مما يضر بالبيئة وجاء هذا النهى مقترنا بعدم حب الله للمسرفين في قوله تعالى (إِنهُ لا يُحِب الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام: ١١٤). أما الإجراءات العملية لحماية البيئة من التلوث فتقوم على نظام متكامل بدءاً من تحديد صور التلوث وإنشاء أجهزة التحكم والرقابة على التلوث وتحديد مسؤولياتها، ووضع السياسات والأساليب والإجراءات العملية اللازمة لعمل النظام. ولقد طبق هذا النظام عملياً وأثمر نتائج باهرة رغم عدم حدة المشكلة حينها، وتتمثل أهم إجراءات هذا النظام فى الآتي: في الجانب القانونى وما يذكره الفقهاء في باب القضاء فى المرافق يجب على القاضى الحكم في القضايا المتعلقة بتلوث البيئة والذى حددت صوره بما لا يخرج عن الصور المتعارف عليها الآن مثل تلوث الهواء بالدخان الناتج عن الأفران، والروائح الكريهة من المدابغ، وتلوث الضوضاء الناتج عن تشغيل الآلات ومنه أيضاً إفساد جدران المبانى، وتلوث مياه الأنهار بإلقاء المخلفات والنجاسات فيه كل ما يضر بالمياه في الأنهار وهناك صور للتلوث المعنوى بانتهاك حرمات الآخرين وخصوصياتهم عن طريق اتخاذ نوافذ وأبواب يطلع منها الإنسان على جيرانه، وتم وضع قواعد قانونية ليسترشد بها القاضى في كل هذه الأمور. إجراءات التحكم والرقابة: بجانب الإجراءات القانونية أو القضائية تأتى إجراءات التحكم والرقابة على التلوث من خلال جهاز الحسبة الذي يتبع إجراءات وقائية تمنع حدوث التلوث فوراً وتزيل أسبابه، ومن أمثلة ما ورد عن واجب المحتسب تجاه ذلك مكافحة تلوث الهواء بالدخان من الأفران حيث ينبغى أن يأمر أصحابها برفع سقوف أفرانهم وبأن يجعلوا في هذه السقوف مخارج واسعة للدخان وأما فى مواجهة التلوث الناتج عن مخلفات الإنتاج فجاء فيه: ويكلف من فتح سراباً وأخرج ما فيه من مخلفات الإنتاج السائلة أن ينقله إلى خارج البلد ويسوى موضع السراب ويعدل الطريق وينظفه من الأذى. وهناك إجراءات وقائية تتبع عند تخطيط المشروعات بشكل لا يضر بالبيئة ومنها أن تُقَام المشروعات الملوثة للبيئة في أماكن لا يصل ضررها للناس مثل ما جاء، ويجب أن تصنع

مواد البناء خارج أبواب المدينة وتكون مواضعها بالحفير الذي يحظى بالمدينة كما جاء ويجب على المحتسب أن يتخذ لبائعى الحوت والأسماك وما شابه ذلك مكاناً يكون فيه سوقهم بمعزل عن الطريق لما تعوده من الرائحة.

ومن أوجه الإعجاز القرآنى الإشارة إلى تفاقم حالة تلوث البيئة التي تعيشها البشرية الآن وآثارها وعلاجها في قوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَر وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الذِي عَمِلُوا لَعَلهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: ٤١). فهاهو القرآن الكريم يخبر منذ أكثر من ١٤٤٠ سنة بأن تلوث البيئة سيظهر بحدة في صورة إفساد لعناصر البيئة المختلفة برا وبحرا وذلك بفعل الإنسان الذى سيصيبه أضرار هذا التلوث ولا مخرج منه إلا بالرجوع إلى الله عز وجل واتباع أوامره واجتناب نواهيه هذا وإن كان فى الأجل بقية فالحديث موصول تمشيا مع الكتاب وسنة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم. 


  

.


Share To: