الأديبة المغربية / نجاة تقني تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "من الطارق؟" 


الأديبة المغربية / نجاة تقني تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "من الطارق؟"





سمعت طرقا على الباب.. قالت بصوت خافت:

"انتظرني أيها الطارق، أحمل عكازي كي أستطيع الوصول إلى الباب وأفتحه."

كانت تعتقد أن القادم هو أحد أبنائها، لكن هيهات هيهات.. عندما فتحت الباب لم تجدأحداً !

سمعت أصوات القطط (مياو مياو)

هتفت بصوتها الحنون:

"سأحضر لكم بعض السمك أيتها القطط اللطيفة."

اتكأت على عصاها واتجهت نحو المطبخ.. حملت صحنا مليئا بالسمك المقلي.. ورجعت بخطى بطيئة نحو الباب المفتوح.. وضعت الصحن قرب الباب، ثم قالت: "هذا غذاؤكم أعددته لكم هذا الصباح. كلوه بمهل وادعوا معي كي يأتي أبنائي لزيارتي قبل أن توافيني المنية!".

ثم أغلقت الباب.

كل يوم يتكرر هذا المشهد.. تتنظر العجوز زيارة أبنائها.. تسمع الطرق على الباب، فيكون القادم قططا تعيش قرب منزلها، تقتات من بقايا أكلها، بل وأحيانا من طعامها الذي لم تمسسه.. فحنينها لفلذات كبدها وشعورها بالوحدة أفقداها الإحساس بالرغبة في الأكل.

وذات يوم سمعت صوتا، فاستعانت بعصاها كي تصل إلى الباب… فتحته وهي تعتقد أن القطط جاءت كالعادة… لكنها تفاجأت برؤية وجه ابنها البكر آدم. عانقها بشوق وحنان ثم قال لها:

"اشتقت إليك أمي الحنون، سامحيني على غيابي غير إرادي، فالجائحة أغلقت الحدود ومنعتنا من السفر!"

"لا عليك بني، فالظروف أحكام."

وقلبي لا يتوقف عن الدعاء لكم."

"ليتنا نستطيع الرجوع إلى وطننا وإليك أمي الغالية."

"المهم أن تكون مرتاحا يابني."

"كيف أرتاح وأنت بعيدة عني؟"

"كيف حال زوجتك وأولادك؟"

"بخير يا أمي الحبيبة. يبلغونك سلامهم."

"لماذا لم يحضروا معك؟"

"ثمن التذكرة غالٍ. "

قال هذه الجملة بصوت مبحوح.. كان يعتقد أنه عندما يسافر إلى أوروبا سيصبح مليونيرا.. لكنه تفاجأ بعالم غير الذي سمع عنه! عانى من البطالة ومن الفقر.. مرت خمس سنوات وهو ينتظر الأفضل.. لكن أزمة الأورو وجائحة كورونا كانتا أقوى من إرادته..

تأمل وجه أمه وقد عبثت به تجاعيد الأيام، فأحس بألم يحز قلبه، كيف يبتعد عمن حملته في بطنها تسعة أشهر وسهرت على راحته… فكر في الرجوع إلى وطنه الحبيب.. لكنه هتف لنفسه:

"لن أكون حملا ثقيلا على أمي.. فبطالتي في أوروبا أهون كثيرا من عدم العمل في بلادي!"

سمع أمه تقول له:

"خذ ذلك الظرف الموجود تحت الوسادة"

تحسس بيده شيئا مغلقا، فتحه، فإذا به يصرخ:

"من أين لك كل هذه النقود يا أمي؟"

"هذا نصيبك من راتب والدك الذي أستلمه كل شهر."

"راتب والدي هو راتبك، المفروض أن أمنحك المال وليس العكس."

"أنت بحاجة إلى المال الآن.. "

"لم أحضر من أجل المال! اشتقت إليك يا غالية!"

"قلب الأم أدرى بمعاناة أولادها.. كنت أنتظرك.. شعرت بألمك وحاجتك، وتمنيت حضورك كي أساعدك."

"آه يا أمي!"

قالها بحسرة، فوضع وجهه على كتفها وضمها إليه والدموع تسيل على خديه..

سمع طرقا على الباب. سألها:

"تنتظرين أحدا؟"

"إنهم أصدقائي، امنحهم صحن الدجاج المحمر الموجود فوق الطاولة."

أخذ الصحن وسار نحو الباب معتقدا أن الطارق أشخاص، فتفاجأ بثلاث قطط تموء وتنظرإليه وكأنها تقول
له:

"لا تقلق، نحن نزور أمك كل يوم"

وضع صحن الدجاج وراء الباب ثم أغلقه.

نظر إلى أمه الجالسة على الأريكة ثم قال لها:

"هذه القطط أرحم من البشر يا أمي!"



Share To: