الشاعر شوقي أبو ناجي | بقلم : محمد فؤاد محمد

 


الشاعر شوقي أبو ناجي                                               

 بقلم : محمد فؤاد محمد 

في مجال الأدب والشعر التقيت كثيرين من الشعراء منهم من ربطتني بهم علاقات قوية ومراسلات ودعوات للمؤتمرات وتبادل خبرات أدبية وشعرية  من بين هذه الشخصيات  الشاعر شوقي محمود أبو ناجي رحمه الله  وقبل أن اتحدث عن معرفتي بالشاعر أعرِّف به سريعاً  فقد ولد في قرية باقور مركز (أبو تيج) محافظة أسيوط ولد في 1943م لم يكمل دراسته وكان يعمل في الشهر العقاري وتُوفي في 2006م وللشاعر  أعماله مطبوعة هي : ديوان( معزوفات متنوعة ) من مطبوعات ثقافة أسيوط 2001م وديوان :( بطولة ) 2006م وهو ديوان شعر حلمنتيشي طبعته ثقافة أسيوط بعد وفاته  وله مجموعة قصصية  بعنوان ( لو كان له رجال ) 2002 م  وبداية معرفتي بالشاعر أنني  كنت أقرأ  شعره في المجلات وذات يوم  قرأت له قصيدة في مجلة المنهل السعودية مذيلة باسمه وعنوان مراسلته أعجبتني القصيدة ، فالتقط العنوان وراسلته بريدياً فكانت هي الوسيلة الوحيدة وقتها وعرَّفته بنفسي فرد الرسالة سريعاً ورحب بمعرفتي وكنت في بداية حياتي الأدبية الفعلية بعد أن بدأت أعمالي تجد طريقها للنشر وبدأنا نتراسل وأطلعه على  القصائد التي أكتبها فكنت أحب أن أرى موهبتي في مرآة شعراء ذوي خبرة وبعد أن اطلع على قصائدي عبر المجلات  حرص أن يدعوني لحضور مؤتمرات  في محافظة أسيوط  وجامعة أسيوط   وأذكر أننا دعوناه في ثقافة  مطاي / المنيا هو والشاعر عاطف حكيم ومرة أخرى هو والشاعر عبد المنعم عواد يوسف وآخرين  في مكتبة قرية "أبوان"  على هامش مؤتمر بالمنيا فضلاً عن معظم مؤتمرات ثقافة المنيا  ،  وهكذا تعمَّقت علاقتنا وارتباطنا الأدبي وتكررت لقاءاتنا في المؤتمرات في معظم  محافظات مصر وكثيرا ما استفدت من خبراته الأدبيةـ رحمه الله ـ  ومن ثقافته فقد كان شاعراً متمكناً من أدواته وخاصة في الشعر العمودي كما كان بارعاً في الشعر الحلمنتيشي الظريف الذي يمازح به زملاءه  الشاعر درويش الأسيوطي والشاعر سعد عبد الرحمن والشاعر عزت الطيري والشاعر عبد الستار سليم والدكتور مصطفى رجب  وغيرهم وكان بينه وبينهم ممازحات شعرية حلمنيشية في صورة هجاء مقبول لدى الجميع يضفي به على الندوات جواً من المرح والظرف والمحبة والألفة بين الزملاء وكانوا يتناقلون هجاءه ويطالبونه في الندوات بإنشاده  وأذكر قصيدته في هجاء أو قل ممازحة زملائه الشاعر عزت الطيري والشاعرعبد الستار سليم وباقي الزملاء التي بدأها بقوله 

( تبغددْ وكلْ لحماً وهضِّم بما حلا  وقربع زجاجات الككولاء ياولا

 ودخِّن إذا ماشئتها كليو بترة  وإلا فكركرها ودخِّن معسلا   )

  وفي يوم قلت له  إنك لا تستطيع هجائي فقال لي مازحاً:يابني هناك شعراء كثيرون تقدموا لي بطلب على ورقة عرض حال دمغة لكي أهجوهم ودورهم لم يأت بعد ،  وكان ـ رحمه الله ـ يحاكي القصائد العربية بطريقة عصرية جذابة ويسقطها على الواقع كوسيلة لنقد الظواهر الموجودة في المجتمع  مثال ذلك حين يحاكي قول المتنبي ( على قدر أهل العزم تأت العزائم ) يقول الشاعر :

 ( على قدر مالِ الزوجِ تأتِ الولائمُ  ويكثر يوم العيد كعْكٌ وناعمُ )

وفي نفس المعنى  ينتقد واقع الزوجات المبذرات يقول : 

من ذا يصنفرُ مُخ أمِّ عيالي ويردَّها للسكة الطوالِ 

 ثم يقول آخر القصيدة في روح ممزوجة بالمرح ونقد الواقع 

وطلبت منها الرفق بي لتعينني  وأنا أواري رقعةَ البِنطالِ 

فتدلعت لتقول لي بمياصة  : زوجي أريد الهاتف النقال

ومثل هذا يذكر أبيات الشاعر أمية بن الصلت لابنه : 

غذوتك مولاداً وعلتك يافعاً تُعلُّ بما أحنى عليك عليك وتنهلُ

 فيقول الشاعر أبو ناجي للجيل الجديد  في روح مرحة وبألفاظ عصرية : 

كسوتك تيشرتاً وجنزاً وجزمة تنوِّر في الظلماء والليل أليلُ

وكم ليلة ياحلو شلتك ساهراً بلا مللِ والثوب ثوبي يبللُ

واقرأ معي هذا البيت من قصيدة له يمازح بها زملاءه 

هردومة اللحم والمحشي والمرقُ سال اللعاب لها والقلب يحترقُ 

وهكذا كان الشاعر لطيفاً ظريفاً ومما أذكر من قفشاته الجميلة  وكان أول مرة يلتقي بالشاعر السكندري محجوب موسى رحمه الله فقال لمحجوب موسى ( حبك في قلبي اتلطع زي الجلوس في الحيط ) وأيضا أذكر أننا كنا في مؤتمر رفاعي الطهطاوي  بسوهاج  في أبريل 1993 وأهدت الشاعرة سامية عبد السلام  لكل منا نسخة من ديوانها " إنه يعشقني " وفي المساء كتب قصيدة من شعره الفكاهي الحلمنتيشي بعنوان " إنه يعشقها " وجاء في هذه القصيدة قوله (أقسمت بالرجل ال أنت بنتته  ومن على دهس خلق الله  رباك )

  هكذا كان ظريفاً يطوع القول ويمزج بين العامية والفصحى في أوزان خليلية وهكذا كان مع زملائه له قبول ومحبة يمتع بالبساطة وطيبة القلب  وكان يدعوني كل عام في الأمسيات الرمضانية في مدينة أسيوط  وبعد الأمسية أنطلق للفندق في باص الثقافة وينطلق هو إلى "أبي تيج " مدينته  وفي آخر عهدي به اقترح أن نسير  مشياً على الأقدام للفندق وبعدها ينطلق لمدينته  وأثناء السير تطرقنا كعادتنا للحديث في الشعر والأدب وما استجد من قصائد فقال لي إنه كتب قصيدة تحكي قصة شاب فقير أعجب ببنت جميلة وثرية وبنت ذوات  وأخذ ينشد القصيدة  وأول بيت فيها يقول ( رآها جلَّ خالقُها فتنحّْ ...)   وما أن سمعت منه هذا الشطر وخاصة كلمة "تنَّحْ " إلا وقد أخذتني نوبة من الضحك حتى علا صوتي وتمايلت ضحكاً  ومما جاء في هذه القصيدة  ( ينقط بق مامتها مربى وأمك في حواري الحي تردحْ ) أنظروا للفرق في اللغة بين "أمك" و"مامتها" وبين "المربى" "والردح" فقد اختار لكل بيئة ألفاظها المهم وودعني الرجل وبعدها بأشهر قليلة علمت بنبئ وفاته ففاضت عيناي بالدمع وأمسكت بقصيدة كنت كتبتها يوم تكريمه بمناسبة بلوغه سن التقاعد وأخذت أقرأ القصيدة وأبكي فكان الخبر مفاجئاً لي وللزملاء  وبعد وفاته قرر الأصدقاء في أسيوط تدشين  تأبين للشاعر ودعيت إليه كما دعي إليه شعراء من مختلف المحافظات ونقاد  وألقينا قصائدنا  وجاء دور الناقد أحمد عنتر مصطفى  ,  فتعرض لمطلع القصيدة ( رآها جل َّ خالقها فتنَّحْ .. ) فانهمرت دموعي  حتى لاحظ من بجواري  رحم الله العم شوقي أبو ناجي وجعله من أهل الجنة فقد كان عصامياً مثقفاً وكاتباً رائعاً   ثقف نفسه بنفسه في الأدب والشعر والتاريخ وعاش عزيز النفس محباً للخير فكان يشارك في جمعيات أهلية تخدم المجتمع حتى توفاه الله  تاركاً خلفه  أعمالًا شعرية وأدبية ومقالات وقصص منشورة في كثيرمن  المجلات العربية وسيرة طيبة.




Share To: