الكاتب السوداني / أبوذر مصطفى يكتب مقالًا تحت عنوان "لعنةُ الفِراق" 


الكاتب السوداني / أبوذر مصطفى يكتب مقالًا تحت عنوان "لعنةُ الفِراق"



- مدخل :-


"إننا مصابون بلعنةِ الفِراق في كل شيء، حتى تلك الأماكن الصغيرة، التي نألفها وتألفنا، حتى بيننا وبين ضحكاتنا هنالك ريح عاتية، قادمة من لعنة فراق؛ ستبعثر كل ملامح وجهنا المملوء حزناً وحِيرةً".


- النص :-

إن الإنسان بطبيعته، يألف الأشياء والتفاصيل الجميلة سريعاً وبشِدّة، يكون في لحظة يتوقف فيها عقله عن تقبّل فكرة الفِراق يوماً، يظن أن جميع ما يتعلق به يدوم، يظل هكذا، دون أن ينظر إلى إشارة مرور ظروف الحياة، دون أن يعيَ أن مكابح قطار الأحزان إذا أتى على ورود السعادة، أفتك بها وهشّمها، بلا توقف، وبلا عودة.

نحن مصابون بلعنة الفِراق في أصدقائنا؛ فمنهم من غادر دون وداع، ومنهم من خذلنا دون تبرير، ومنهم من ابتعد عنّا بحثاً عن الأفضل، وكذلك منهم من تركناه رغماً عنّا؛ رأفة به من تيار أحزاننا اللا متناهي، ففي كلٍّ كانت لعنة الفِراق حاضرةً، ونحن من كان يظن أنّ الحياة ستكون، كما نودّ لها أن تكون.

أصابت لعنةُ الفِراق كل ما حولنا؛ من عائلاتنا تبعدنا، أو أبعدَتْ عائلاتنا بعيداً منّا، حتى في حبنا لوطننا، لَفَظَتْنا خارجاً منه، ورَمَتْ بنا في سرداب الغربة الذي لا قاع له، وجعلتنا نشتاق أن نكون بين أحضان بلادنا، للحظةٍ أو أقل.

عند ميلاد الحب لعيون تلك الجميلة، كان الفِراق يمثل الموت بالنسبة لنا، كنّا نعدّه مستحيلاً ثامناً، أعطينا الحب بلا إقتارٍ أو خوف، رهنّا قلبنا بمجرد إبتسامة بسيطة؛ لكنها كانت تعني لنا الحياة وما فيها، تركنا الفِراق لنلهوَ قليلاً، ثم أتى وكأنّ غيوم من السواد أمطرت على بِيض نوايانا، ومشاعرنا؛ حتى صرنا كالليل في دواخلنا، ونعيش بجزء مفقود على يسار صدرنا، حتى نهلك أو نصاب بالجنون.

حتى الأماكن التي كانت بمثابة مُتنفّسٍ لنا، هي الأخرى نالت منها تلك اللعنة، حتى صارت مهجورة، ليست بها سوى بيوت العنكبوت الواهِنة، اختفت منها ضحكاتنا حين كنا نشرب كأس القهوة، ونتسامر، أصبحت جدرانها متهالكة، تتداعى شيئاً فشيئاً، حتى تختفي وتصبح أرضاً جدباء كما كانت قبلنا. 


"حَلَّتْ لعنةُ الفِراق في كل شيء.. شِئنا أم أم أَبَيْنا".





Share To: