حديث الجمعة | "مناخنا ... حياتنا" بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف


حديث الجمعة | "مناخنا ... حياتنا" بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف

 

    .    أيها القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن السباب وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع واليوم بإذن الله تعالى أحدثك عن المناخ وتلبية للحملة التوعوية التى أطلقها مجمع البحوث الإسلامية عن 

     (مناخنا حياتنا) 

فأقول وبالله التوفيق والسداد ومنه الهداية والرشاد ومفاتح الخير لكل باب

إن مَا يجرى فِي هَذَا الْكَوْنِ مِنْ تَعَاقُبِ الْفُصُولِ، وَتَنَوُّعِ الْمُنَاخِ، وَتَسَلْسُلِ أَحْوَالِ الطَّقْسِ،

منها ماهو معلوم لأسباب 

بشرية تعود إلى أفعال البشر ومنها ما هو خاضع للنواميس الكونية لَتَجْرِى وَفْقَ نِظَامٍ بَدِيعٍ وَقَانُونٍ مُتْقَنٍ، وَتَسِيرُ حَسَبَ سُنَنٍ رَبَّانِيَّةٍ دَقيقَةٍ مُنَظَّمَةٍ؛ وَقَدْ تَقْتَضِى مَشِيئَةُ اللهِ أَنْ يَحْدُثَ فِي الطَّقْسِ تَقَلُّبٌ، وَفِي الْمُنَاخِ تَغَيُّرٌ، فَيَنْقَلِبَ الْمُنَاخُ عَنْ حَالِهِ بِأَنْوَاءٍ اسْـتِثْنَائِيَّةٍ غَيْرِ مُتَوَقَّعَةٍ، وَتَعْـتَرِى الطَّقْسَ أَحْوَالٌ طَارِئَةٌ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ، لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ تَجَلٍّ لإِرَادَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ، ” بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧) البقرة ” ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣) الطلاق

وإِنَّ مِنْ أَعْـظَمِ الآيَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ تَكْوِينَ السَّحَابِ، وَتَسْـيِيرَ الرِّيَاحِ، وَإِنْزَالَ الأَمْطَارِ، يَقُولُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ: ) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) الروم ، ويقول سبحانه وتعالى ” اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) الروم ، وَيَقولُ عز وجل ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ”  (٤٣)النور فَمَنْ غَيْرُ اللهِ يُكَوِّنُ السَّحَابَ بِإِرَادَتِهِ؟ وَمَنْ غَيْرُ اللهِ يُرْسِلُ الرِّياحَ بِقُدْرَتِهِ؟ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يُنَزِّلُ مَاءَ السَّمَاءِ بِحِكْمَتِهِ؟ فَتَبَارَكَ اللهُ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ. وَمِنْ آيَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ التَّفَاعُلُ النَّفْسِى الْعَجِيبُ فِي بَنِى الْبَشَرِ مَعَ تَغَيُّرَاتِ الطَّقْسِ وَمَا يَرَونَهُ مِنْ جَرَيَانِ السَّحَابِ، مَشَاعِرُ يَخْتَلِطُ فِيهَا الاستِبْـشَارُ، وَالْحَذَرُ مِنَ الأَخْطَارِ، وَيَمْـتَزِجُ فِيهَا الطَّمَعُ وَالْخَوْفُ، يَقُولُ سبحانه. (وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) الروم ، وَيَقُولُ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣) الرعد ، وَيَقِفُ النَّاس مَوْقِفَ الضَّعِيفِ الْعَاجِزِ أَمَامَ مَا يَرَوْنَهُ مِنْ حَرَكَةِ الأَنْوَاءِ الْمُنَاخِيَّةِ، وَجَرَيَانِ الرِّيَاحِ الْعَاتِيَةِ، يُرَاقِبُونَ وَلا يَسْـتَطِيعُونَ أَنْ يَدْفَعُوا مِنْ أَمْرِ اللهِ شَيْـئًا، وَيَتَرَقَّبُونَ وَلا يَقْدِرُونَ عَلى دَفْعِ الأَخْطَارِ الَّتِي يَخَافُونَ، وَهُنَا يُوقِنُ الْمَرْءُ أَنَّه مَعَ مَا يَأْتِيهِ مِنْ صَوْلٍ وَجَوْلٍ هُوَ ضَعِيفُ الْحَوْلِ، وَإِنَّمَا الأَمْرُ الَّذِي لا رَادَّ لَهُ، وَالْقَدَرُ الَّذِى لا غَالِبَ لَهُ، هُوَ أَمْرُ اللهِ وَقَدَرُهُ وَحْدَهُ، فَيَكونُ مِثْلُ تِلْكَ الأَنْوَاءِ الْمُنَاخِيَّةِ وَالتَّغَيُّرَاتِ الْجَوِّيَّةِ مُذَكِّرًا لِلإِنْسَانِ بِضَعْـفِهِ، وَمُرَسِّخًا لِيَقِينِهِ بِرَبِّهِ وَإِيمَانِهِ، وَدَاعَيًا لَهُ إِلى الاعْـتِصَامِ بِحَبْـلِ مَولاهُ، وَاللُّجُوءِ إِلَى حِصْنِهِ وَحِمَاهُ. فَالْجَأُوا إِلَى اللهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِكُم وَكُونُوا مِنَ الْمُوقِنِينَ المُهْـتَدِينَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

وإِنَّ مِمَّا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى أَهْـلِ هَذَا الزَّمَانِ أَنْ تَوَافَرَ لَدَيْهِمْ مِنَ التِّقْنِيَّاتِ وَالْوَسَائِلِ مَا يُمَكِّـنُهُمْ مَعَهَا مِنْ مُتَابَعَةِ وَمُرَاقَبَةِ تَغَيُّرَاتِ الطَّقْسِ وَتَقَلُّبَاتِ الأَنْوَاءِ الْمُنَاخِيَّةِ وَتَحَرُّكَاتِ الرِّيَاحِ وَالأَعَاصِيرِ، مَعَ تَوَافُرِ وَسَائِلِ الإِعْلامِ وَقَنَوَاتِ التَّوَاصُلِ وَالاتِّصَالِ الَّتِي تُنْشَرُ فِيهَا الْمَعْلُومَاتُ فِي وَقْتٍ يَسِيرٍ، وَتُنْقَلُ بِهَا الأَخْبَارُ فِي وَقْتٍ وَجِيزٍ؛ وَهَذَا كُلُّهُ يَجْعَلُ أَهْـلَ كُلِّ بَلَدٍ عَلَى عِلْمٍ سَابِقٍ بِمَا قَدْ تَحْمِلُهُ إِلَيْهِمْ تَقَلُّبَاتُ الطَّقْسِ وَتَغَيُّرَاتُ الْمُنَاخِ مِنْ عَوَاصِفَ وَأَخْطَارٍ، وَرِيَاحٍ وَأَمْطَارٍ؛ فَيَأْخُذُونَ مِنَ الأَخْطَارِ الْمُحْـتَمَلَةِ حِذْرَهُمْ، وَيَحْزِمُونَ لِلظَّرْفِ الدَّاهِمِ أَمْرَهُمْ، وَيَأْخُذُونَ بَأَسْبَابِ السَّلامَةِ لِلأَنْفُسِ وَالأَمْوَالِ، وَيُهَيِّئُونَ لِلْقَادِمِ الْمُتَوَقَّعِ الأُمُورَ وَالأَحْوَالَ. إِنَّ إِهْمَالَ مُرَاعَاةِ التَّوَقُّعَاتِ وَالاحْـتِمَالاتِ، وَتَرْكَ الأَخْذِ بِالأَسْـبَابِ وَالاحْـتِيَاطَاتِ، لَهُوَ عَمَلُ أُولِي الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَصِفَةُ مَنْ يُجَانِبُونَ الْمَنْطِقَ وَالْعَقْلَ، وَرُبَّما ظَنَّ الْبَعْضُ أَنَّهُ يُغْنِيهِ عَنِ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ كَوْنُهُ عَلَى رَبِّهِ مُتَوَكِّلاً وَلِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ مُؤَمِّلاً، وَهَذَا وهنٌ وَوَهْمٌ، وَخَطَأٌ فِي الْفَهْمِ؛ فَإِنَّ مِنْ صِدْقِ تَوَكُّلِ الْمُسْلِمِ عَلَى خَالِقِهِ، أَنْ يَأْخُذَ بِالأَسْبَابِ الَّتِى هَيَّأَهَا اللهُ لَهُ، وَيَعْمَلَ بِالتَّدَابِيرِ الَّتِي أَمْكَنَهُ سُبْحَانَه مِنْهَا كما ينبغى علينا المحافظة على البيئية مما يؤثر سلبا على البلاد والمقدرات والعباد

هذا ما أحدثكم عنه الجمعة القادمة لو كان في الأجل بقية بإذن الله.




Share To: