الأديب المصري / إبراهيم الديب يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الفطيرة"


الأديب المصري / إبراهيم الديب يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الفطيرة"


كانت دهشة الأربع بنات الأشقاء  كبيرة عندما: عثروا على الفطيرة التي انتهت  الأم من صناعتها دون أن تخبرهم أنها ستفعل :مخبئة تحت وعاء حتى بدا من طريقة إخفائها أن الأم لا تريد أن يعثر عليها البنات الاندهاش مصدره أن :ليس من عادة والدتهم فعل ذلك، ولأول مرّة أيضا لا تسأل أي من بناتها عن مذاق أي شيء تصنعه كما تفعل دائماً منتظرة كلمات الثناء والإعجاب والمديح علي كل ما تطهيه من طعام أو ما تصنعه من حلوى.... أخذن يتناقشن وهم يتناولن الفطيرة الشهية لولا أن هناك: طعم ما غريب بداخل الفطيرة  لم يتذوقوه من قبل بعد أن قطعت إحداهن الفطيرة مثلثات من القطع كما تعودا ثم دخلت الأم عليهم  أثناء عملية  المضغ والبلع فصرخت بأعلى صوتها الفطيرة دي: بتاعتي وبحركة هيستيرية هجمت على ما تبقى من الفطيرة تلتهمها بشراهة وهي تبكي وكأنها لم تتناول الطعام منذ ألف عام وسط دهشة بناتها ثم أخذت ما تبقى في أيديهن وأرسلته دون مضغ لمعدتها على الفور حتى بدا ظاهرها متوافق تماماً مع الخفي الذي تدمره في نفسها... انتحب الأربع  بنات مرارة من شدة البكاء والحزن من صنيع الأم تجاههن الذي جاء دوم توقع وبدا غير مبرر،و بعد أن سيطر التساؤل والحيرة الصامتة من قبل البنات الأربع   ... أما بكاء الأم فكان أقرب للجنون وهي تحتضن بناتنا وتهذي وتصرخ كمن فقدت عائلتها بكامل أفرادها.

مرت السنون تطلب بعضها بعضاً ما زال ما فعلته الأم مع أولادها يحتاج لتفسير بعد أن أجمعن أن هناك سر في أمر الفطيرة اللغز، ولكن الأم كانت تجيب على تساؤلات أولادها المتكررة على مر السنين: بإجابات غير مقنعة لبناتها وكانت الأم تسئل هي: بناتها كل واحدة منهم على حدة؟: من منكن أكل من الفطيرة أكثر فكانوا يضحكون لتفاهة السؤال أو لسذاجته ولكنهم لاحظوا على الأم بعد واقعة الفطيرة أنها أصبحت أكثر حزنا وصمتا وفقدا للشهية، وأخذت صحتها في التراجع ونظرتها  وبريق عينيها في الانطفاء ... أصبحت البنات تؤرخ بحادثة بالفطيرة فكانوا يقولون :حدث هذا الموضوع بعد الفطيرة ،أما ذاك كان قبل الواقعة فأصبحت فاصلة بين عهدين .

خطبت البنت الكبيرة وتزوجت ولم تنجب وما حدث مع الأولى حدث مع الثانية والثالثة والرابعة أيضاً... أمر غريب أشقاء البنات الذكور ينجبون كان الأطباء أشد دهشة وحيرة. كانت الأم نزداد نحولا وحزنا حتى أقسمت إحدى بناتها الأربع أنها لم ترى الأم  تبتسم ولم تنسحب السعادة على وجهها في يوم من الأيام  بعد واقعة الفطيرة المشئومة... اشتد المرض على الأم وأحست بدنو أجلها فطلبت بناتها الأربع وأشارت بأن يقتربن منها أكثر،وهي على فراش مرضها الأخير، ثم تحتضن كل واحدة منهن على حدة وهي تبكي ثم تطلب منها أن تسامحها ثم قالت بصوت متوسل محشرج مبحوح متقطع مصدره تضاريس الروح ودهاليز القلب: هل تتذكرون يوم أن صنعت الفطيرة ثم تناولتن منها دون أن أطلب منكن  ودون إذن مني بعد أن: خبأتها كانت الفطيرة خاصةً بي اتناولها وحدي بعد أن استشرت النساء الأكثر سنا و خبرة حتى: أكف عن الإنجاب ثم أحضرت احداهن عناصر التحويجة التي تجعل من يتناولها عقيم مدى الحياة كنت اكتفيت من الأولاد بعد أن وهبني الله: أربع بنات, وخمسة أولاد ذكور.... أنجبتكم جميعاً في عشرة أعوام ثم تسبقوني إلي الفطيرة بعد أن خبأتها خوفاً من  أن تعثروا عليها ثم تأكلنها .... ثم أسلمت الروح لخالقها....



Share To: