الكاتب المغربي / إلياس الخطابي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان " إنسان هزمته الحياة " 


الكاتب المغربي / إلياس الخطابي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان " إنسان هزمته الحياة "



مضيت نحو شارع المدينة ،غير آبه بالبشر الذي يسير نحو ما يريد بسرعة ، ولا آبه بضوضاء السيارات . أمشي ولا أعرف أين ذاهب . ذهني مشوش ، وقلبي مليء بالوجع ؛ربما أصبحت من حمقى المدينة الذين يتسكعون فيها بالنهار ويلاحقون الناس ليتصدقوا عليهم بالمال القليل ، والكثير . 


وصلت لساحة المدينة وجلست على كرسي خشبي . حاولت أن أستعيد شيئا ما مضى  . عقلي هناك ، وجسدي حيث أنا . بدأت أحس أن عقلي  بدأ يفارقني  ، ويبدو أنه لم يعد يريد أن يظل داخل جسدي .


مر قدامي شخص يعرفني ، وظل يراقبني بعينيه طويلا . ذاكرتي البصرية لم تقدر على تذكره ؛ نظراته توحي أني أعرفه  ، وهو أيضا يعرفني  . إنتظر مني ترحيبا ، أو أن أكلمه على الأقل . إنتظر طويلا لأكلمه . لكني لم أفعل . إقترب إلي أكثر ، سلم علي ، ثم سألني :

-إسماعيل ما بك ؟ 

-لا شيء 

أضاف سؤالا آخر قائلا :

-يبدو أنك لست بخير ؟

-ومتى كنت بخير ! 


بدوت له إنسانا لن يجدي معي الحديث ، ولا النصح . تركني ومضى . ظللت أراقب مشيته ، وحينما كان على وشك أن يختفي ، ذاكرتي إستيقظت من سباتها ، وتذكرت من يكون . إنه إنسان مثل جميع البشر ، عرفته حينما كنت أدرس ؛ كان يتميز عن الجميع باجتهاده ، وقتاله ، وأمله الذي لا يحد ، لم يكن يستسلم للصعاب إطلاقا .

 أما أنا ، فيبدو أني إستسلمت وهزمتني الحياة ، رغم أني ما أزال في الثلاثينات . 


نهضت من الكرسي . تمشيت قليلا . بدا لي البحر أمام ناظري . الناس يسبحون  . فصل الصيف لم يمض بعد . تذكرت أني لم أسبح هذا الصيف إلا مرات قليلة . عزمت أن أذهب للبحر لأسبح ، مشيت ببطء لمسافة طويلة ، ثم توقفت . شيء ما منعني لأواصل سيري نحو البحر . غيرت وجهتي ، وذهبت للمقهى . 


وصلت لباب المقهى ، دخلت ، ألقيت نظرة خاطفة على الجالسين ؛ ثم داخلت للمرحاض . أفرغت مثانتي ، وحدقت في المرآة ، سألت  نفسي ضاحكا :

-من تكون أنت ؟

-أنا هو أنت  

غسلت يدي ، ومسحتهما عند قميصي وخرجت . أغلقت باب المرحاض . تفرست الطاولات الفارغة ، وبحثت عن بنظراتي عن مكان أجد فيه راحتي . جلست في الزاوية وحيدا . 


أتت النادلة عندي باسمة . ألقت علي السلام . طلبت لها قهوة بالحليب . مضت بمشية راقصة ، وبمؤخرة بارزة . وزعت الشاي على امرأة ورجل كبيران في السن ، ثم  ولت إلي ، وقالت ضاحكة :

-ألم تر في حياتك إنسانة تشتغل نادلة ! ، إنك تحدق بي بغرابة . أنا لا أشتغل هنا لأحارب الفكر الذكوري ، رغم أنه يوجد في عقول الفتيات أكثر من ما يوجد في عقول الذكور  أنا أشتغل هنا كي لا تهزمني الحياة ، لقد حاولت كثيرا أن تنتصر علي ، لكن أنا قوية ، لن أتركها تفعل بي ما تشاء ، لذلك أشتغل في أي مهنة ، كي أكسب رزقي . 

غادرت  ، بعد فترة قصيرة ، أتتني بما طلبت ،  ثم طلبت  نني ثمن  قهوتي قبل شربها . أخبرتني أن الكثير يشرب شايا وقهوة ، ثم يفر هاربا ، ولا يؤدي ثمن ما يشرب . 


أخذت ثمن القهوة ، وأعادت لي ما تبقى من النقود . قبل أن تمضي ، قال لها رجل كبير في السن ، جالس بعيد عني قليلا : 

-إسماعيل لا يهمه ما يحدث في الواقع ، ولا يهمه ما تفعلينه أنت ، ولا غيرك . إسماعيل هزمته الحياة منذ أن كان صبيا ، والآن لم يعد يريد أن ينصت لأحد سوى لنفسه. 




Share To: