الكاتب السوداني / مجاهد ميرغني يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "مـا كـان أبـوكِ امـرأ سـوءٍ ومـا كانـت أمُّـكِ بغيّـاً" 


الكاتب السوداني / مجاهد ميرغني يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "مـا كـان أبـوكِ امـرأ سـوءٍ ومـا كانـت أمُّـكِ بغيّـاً"



واا فضيـحتـاه! يـا لسـواد وجهـي! ليتـني لـم أولـد قبـل هـذا، مـا هـذا العـار الـذي جلبـتيـه لمـن أوجـدو الشـرف،  ليتـني لـم أدرس،  ليتـني مـتُّ ولـم أعـد مـوجـودة.


ترعـرعـت شريـفة فـي منطقـة ريفـية تسمَّـى "حـي سجيّـة"، يتـميـز سكـانها بالكـرم والفـروسيـة والشـرف، ويضـرب المثـل بعفَّـة نسـاءهم، فكـانـت الطفـلة بنـت السـادسـة تخمِّـر وجـهها إذا رأت فـي طـريقها رجـل، فُطِـرنَ علـى ذلـك؛ فهـنَّ لم يدخـلن المـدارس، لا يعرفـن القـراءة ولا الكتـابة، ولا يعلمـن شيـئاً عـن حيـاة الصحـابيـات حتـى يقتـديـن بهـن، ولكـن فطـرة اللـه التـي فطـر عليـها عبـاده، فمـن شـدَّة العفـة فكأنـَّهنَّ وريثـات ابنـتي شعيـب عليـه السـلـام.


بعـد وفـاة أم شريـفة، أخـذها والـدها إلـى بيـت جـدتـها، لكـي تُحسـن تربيـتها، لأنَّـه كـان يعمـل فـي المديـنة موظـفاً، آنـذاك فكَّـر والـدها ومعـه شعبـة مـن أبنـاء المنطـقة، بإنـشاء مدرسـة صغيـرة لتعليـم الفتيـات، دخلـت شريفـة المدرسـة، كانـت الأولـى علـى صفِّـها إلـى أن تخـرجـت، ونسبـة لكثـرة مـرض جـدتـها؛ توفَّـتْ وهـي فـي الصـف الأخيـر، فاضـطرَّ والـدها أن يأخـذها معـه إلـى المديـنة.


علمـاً بـأن والـدها قـد تـزوج فـي المـديـنة مـن إمـرأة تـدعى سليـمة، وأنجـب منـها ولـداً وبنـتين، كـان والـدها يشيـد بتربيتـها دائمـاً، شعـرت سليـمة بالغيـرة وأقسـمت بـأن تفسـدها وتجعـل سيرتـها علـى الألسـن، فخطـطت ودبَّـرت وهمَّـت بالتنـفيـذ.


ولكـي يعـدل والـدها بيـنها وبيـن بنـاته مـن سليـمة، أصـرّ بـأن تكمـل دراستـها رغـم معـارضـة سليـمة، بـدأت سليـمة فـي خطتـها وتظـاهـرت بحبـها المزيِّـف لهـا، تحـكي لهـا عـن الحـب وجمـال الحـب، وإنَّ الحيـاة لا تحتـمل بدون عاشـق أو حبيـب، وأنَّ قصتـها مـع والـدها بـدأت بالحـب لأكثـر مـن عـامٍ حتـى تـزوجا. جعلـت تفكـر جُـلَّ وقتـها فـي الإرتـباط والحـب، وكيـف تجـد فـارس أحـلامـها.


وبعـد أيـامٍ قـلائـل تـمّ قبـولهـا فـي الجـامعـة، فـرحـت فرحـاً شديـداً، ففـي يـومهـا الأول أخـذت تتـجـول فَرِحـةً داخـل الكليـة، وهـي تراهـم يجلسـون مثنـى مثنـى، تذكـرت كـلام زوجـة أبيـها، ففكـرت أن تصـادق مـن تعيـنها مـن الفتيـات علـى هـذا الأمـر، وهـي متـشوقـة جـداً كـي تجلس كمـا يجلسـون _علمـاً بأنَّـها فـي طـور المـراهقـة_ فصادقـت إحـدى اللاتـي كـن يجـلسـن مـع الأولاد، قالـت لهـا إنَـا _ بـرلـومـة_ أُريـدكِ أن تنوِّرينـي، قالـت لهـا " القرايـة دي بنـقراها آخـر شهـر، باقـي الشهـور دي تعيشـي حياتـك، حبِّـي، اطلعـي، امرحـي، أصـلاً الحيـاة دي بنعيشهـا مـرة واحـدة بس".


ونسبـة لأنَّـها غايـة فـي الجمـال، يـافعـة، وسـهلـة الإصـطيـاد، ترصـدتها رادارات الكليـة، مـن فطـاحلـة وعمـالقـة، يتـراهنـون علـى مـن يـوقـع أجمـلهـنَّ ويـكافـؤون مـن يكسـب الرهـان، لمحـوها وهـي تتـجول فرحـة فـي أول يـومٍ لهـا، فأحـكموا سهـامهـم وهمَّـوا بالإصـطيـاد، فأتـاهـا أحـدهـم وتـعـرف عليـها

_ إنـتِ مـن ويـن؟ 

= مـن الريـف " حـي السـجيـة".

_ سبحـان اللـه أكتـر منـطقـة بحبـها وزرتـها مـرتيـن.

= بالجـد؟!

_ آي واللـه.

..........

والونـسـة جـرَّتْ


هكـذا كانـت بدايـتهـم، كـان يتـظاهـر بأنَّـه يريـد مساعدتـها، ويشـرح لهـا مـا استصعـب عليهـا، وهكـذا إلـى أن إعتـرف لهـا بمشـاعـره الكـاذبة المزيـفة: " أنـا بحبـك يـا شـريفـة وإن شـاء اللـه حأتقـدم ليـكِ" هنـا إحمـرَّ خـدَّاها وشعـرت بالخجـل، وذهبـت مسـرعـة، ورجعـت البيـت وكأنَّـما حيـزت لهـا الدنيـا مـن شـدة الفـرح، تسـرح تـارة، وتبـتسـم تـارة أخـرى، وهـي تقـول متـى سيـأتـي الصبـاح! كـي أراه. 


استيـقظـت مبـكراً علـى غيـر عادتـها _علمـاً بأنَّـها كسـولة جـداً_ تزيَّـنت، تعطَّـرت، أخـرجـت بعـض الخصـل مـن شعرهـا، لكـي تبـدو جميلـة، والتـقت بـه وهـي تبتسـم وتنـظر إلى الأسفـل، وهـو يتغـزل بهـا، وهكـذا مـرت الأيـام إلـى أن نـال مـراده منهـا وذهـب، فعـل فعلتـه الدنيـئة، بدأت تشعـر بالذنـب قليـلاً، وتقـول مـا الـذي فعلتـه أنـا، ولكنَّـه وعـدنـي بالـزواج وأنـا أثـق بـه ولـن يخـزلنـي، وهـو لـم يفكـر بهـا إلا عنـدمـا تأتيـه الشهـوة الغـزرة، يضحـك عليهـا بكلمـات: " واللـه مـا قـدرت أبعـد عنَّـك، وأصـلاً نحـن إتخلقـنا لـي بعـض" ويفعـل فعلتـه مـرةً أخـرى، وهكـذا...


فـي صبـاح يـومٍ كئيـب، وهـي تعيـش صـراعهـا النفسـي، أُغمـى عليـها فأخذتـها صديقتـها إلـى المستـشفـى، وبعـد إجـراء الفحوصـات، قـال لهـا الطبيـب: مبـاركٌ إنـتِ حامـل وفـي شهـرك الثـاني، وهنـا كانـت الصـدمـة، وكـأنَّ شريـط حياتـها يمـر أمـامـها، تذكـرت جدتـها التـي تعبـت فـي تربيـتها، تذكـرت والـدهـا الـذي كـان دائـماً يشيـدُ بتربيـتها أمـام أخـواتـها الصغـار، لـم تتمـالـك نفسـها وصـرخـت وهـي تقـول:

 واا فضيـحتـاه! يـا لسـواد وجهـي! ليتـني لـم أولـد قبـل هـذا، مـا هـذا العـار الـذي جلبـتيـه لمـن أوجـدو الشـرف،  ليتـني لـم أدرس،  ليتـني مـتُّ ولـم أعـد مـوجـودة.


فكـرت كثيـراً فـي التخلـص مـن الحمـل، ولكنَّـها خافـت مـن أن تلقـى ربَّـها وهـي قد قتلـت نفـس بريئـة بغيـر ذنـب، ظهـرت عليـها علامـات الحمـل، صُـدِم والـدها وهـمَّ بقتـلها، فهـربـت مـن البيـت حتـى أكملـت شهـور حملهـا، ووضعـت طفـلاً بريـئاً، لا يعلـمُ أنَّـه مـن أمٍ بـلا أب _ابـن زنـا_ لا يعلـم أنَّـه سيُشتـم ويُسـب ولا ذنـب له بهـذا، يظـن أنَّـه سيسعـد لكنَّـه كُتِـب شقـاءه وهـو فـي رحـم أمِّـه، أو منـذ أن التقـت أُمُّـه بـذاك الحقيـر.


فأتـت إلـى قريـة أُمُّـها وهـي تحمـل رضيـعاً بعـد يديـها، سألـوها: مـن هـذا يا شريفـة، لـم تجبـهم أو بالأحـرى لـم تستطـع الإجـابـة، فقـط قالـت ودموعـها تسيـل: ليتنـي لـم أُدعـى بهـذا الإسـم.

قـالوا لهـا: لـم تكـن أمُّـك زانيـة ولا حتـى أبـوكِ صاحـب فاحشـة، مـن أين جئتـنا بهـذا؟! جلبـتِ لنـا العـار، ذُللنـا بعـد أن كنَّـا شموخـاً بيـن القبـائـل، يضـرب بنـا المثـل فـي العفـة والشرف، لا بـارك اللـه فيـكِ يـا شـريفـة، لا بـارك اللـه فيـكِ.

Share To: